ربما نستنكر أحياناً جملة «أطفالنا.. أحلامهم أوامر» لأسباب تربوية خاصة، وربما نجد في هذه الجملة فكرة نيرة تزيل عن كاهل هذه المضغ أعباء زمن يتحرك خارج إطار الساعة، وبعيداً عن ما تحمله ذاكرتنا، عن زمن ما، مر وفي جعبته الكثير من مخلفات حياة مليئة بالمتاعب، والسغب، ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نظل عند النقطة المتجمدة في التاريخ، فالزمن تغير والحياة تحركت بسرعة البرق، والظروف أبدت اتساعاً في المطالب، وكذلك في الحقوق، الأمر الذي يجعل من أحلام أطفال اليوم يجب أن تكون أوامر، والأمر لا يتعلق بالتدليل، أو كما يذكر البعض أن زمان الصرامة كان أحسن حالاً من زماننا، فاليوم أصبح الظرف الاجتماعي مختلفاً كلياً، ومتمايزاً من حيث الاحتياجات، وكل ما يتعلق بالمشاعر، بالهوى، والهواء، لأن العالم خرج من بوتقة الصمت في كل تلافيفه، ودخل في دائرة السؤال، «لماذا أنا وليس نحن» هذه العبارة تستدعي من الوالدين بأن يفتحا النوافذ، وينظفا السجادة من الغبار، ويكنسا رمال الذاكرة من متعلقات هي ليست لازمة لزمن أصبح فيه العقل في مصاف النجوم والكواكب، والثورة العلمية أجهضت كل ما هو مستحيل في زمن ما، وأصبح الأطفال معلمين يفقهون ما لا نفقهه، ويفهمون ما هو غامض، بالنسبة لنا، لذلك عندما ينشأ الطفل في جو اجتماعي مغلق على آخره، بالإضافة إلى الشحنات العدوانية التي تدور بين الأم والأب، فإن هذه الأمواج العاتية لا بد وأن تغرق السفينة، وأول من يلقى حتفه هم الصغار لنضارة مرآتهم الصافية، ولبياض صفحات عقولهم من الخبرة، والتجارب، لذلك فإن أي خلل في الأسرة يستوجب شروخاً في وجدان الأطفال، ويفتح خدوشاً دامية في قلوبهم، الأمر الذي يسهل مرور المشاعر العدوانية في نفوسهم، اعتلائهم تلة الكراهية بقوة الدوافع إلى الانتقام، والتعبير عن التذمر، ورفض ما هو كائن.
لا شك أن الكثير من محدثات الاستهلاك اليومي، وبخاصة ما يتعلق بثقافة الصغار، والمتضمن ألعابهم السحرية في الآيباد، وما هو الآيباد، ولكن ينبغي أن نعبر عن الرفض بشيء من الدماثة، وكثير من الحنان، وأكثر من التفهم، وأكثر، وأكثر من العقلانية، لأن العقول الغضة بحاجة إلى عقول ناضجة، تمزج بين الصرامة والرقة حتى لا ينقطع الحبل، وحتى لا تنفصل أدوات الرعاية عن بعضها وتتحول إلى مجرد خردة لا نفع فيها، كونها لا تناسب المرحلة، ولا تحقق الهدف.
الأطفال بحاجة إلى الحنان أكثر من حاجتهم إلى الكيمياء والرياضيات، وأكثر من حاجتهم إلى إرضاء والديهم، لأنهم عندما يحققون أهداف المرحلة، وأهمها عند الانزلاق في حفر التنمر فهم يكونون قد أنجزوا أهم أمنيات الوالدين، والمجتمع.
فاليوم نحن بحاجة إلى جيل صحيح النفس والبدن، قبل كل شيء حتى ننتصر على صدمات العصر، ونتفوق على موجات التغير المتلاحقة.
نحن بحاجة إلى جيل متصالح مع نفسه، ولن يتحقق ذلك قبل أن يتصالح الوالدان فيما بينهما، ويحققا أعلى منسوب في الحب.