كنت مندمجاً مع أحد المتحدثين ضمن جلسات إحدى الفعاليات التي كانت مقامة مؤخراً في مركز أبوظبي للمعارض الدولية «أدنيك»، عندما فوجئت بمن يضع بين يديَّ زجاجتين بلاستيكيتين صغيرتين (غرشتين) ويمضي مسرعاً قبل أن أتبين شخصيته. كانت الزجاجتان من جناح شركتنا الوطنية الكبيرة «أدنوك» المشارك في الفعالية، إحداهما تحوي ماء النعناع والأخرى ماء الزوموتة.
وقبل الحديث عن محتوى «الغرشة» الثانية، التحية واجبة لمركز «أدنيك» والجهود الكبيرة والمتميزة التي يقوم بها من خلال تنظيم المؤتمرات والمعارض العالمية في مختلف المجالات والقطاعات، والتي جعلت من عاصمتنا الحبيبة أبوظبي وجهة عالمية لمثل هذه الفعاليات، وأصبحت معها علامة إماراتية رائدة في قطاع تنظيم المعارض والمؤتمرات وصناعة الضيافة، وبمستوى تنظيم رفيع يتفوق بها على مراكز عالمية خارج الدولة.
بالعودة إلى موضوع الزوموتة، فهو نبات معمر، بعضهم يطلق عليه «الزعتر البري» لأن أوراقه لها نكهة وطعم الزعتر، ولكن بنكهة أقوى أقرب للنعناع. ويُعتبر ماء الزوموتة من الأدوية الشعبية لعلاج المغص والغازات وانتفاخ البطن.
كانت لفتة طيبة من شركتنا الوطنية «أدنوك» توزيع مثل هذه المواد لتذكير الأجيال بكنوز الطبيعة التي تزخر بها صيدلية الأدوية الشعبية القديمة، وكان الآباء والأجداد يعتمدون عليها في تلك الأزمنة.
عادت بي الذاكرة إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما كان مدخل سوق السمك في أبوظبي، وقد كان بالقرب من السوق المركزي القديم الذي أقيم مكانه أبراج مركز التجارة العالمي. عند ذلك المدخل، كانت تتجمع مجموعة من المواطنات المتقدمات في السن، يبعن الأعشاب والأدوية الشعبية، وكذلك الأسماك المجففة، وبالذات «العوال» و«الملح» وغيرها من المأكولات التي تلقى إقبالاً من المواطنين. وبعد انتقال السوق من مكانه، اختفت تلك التجارة التي تطورت وجرى تنظيمها من خلال تأطير جهود ومبادرات الأسر المنتجة التي تناقلت هذه التجارة من جيل إلى جيل، ولكنها لم تعد كما كانت في السابق، بسبب التطور وانصراف أجيال اليوم عنها وإقبالهم على وصفات الطب الحديث. وبعد أن أصبح يسمع عن هذه الأعشاب والوصفات كما لو أنها من كوكب آخر.
ومن هنا، نشكر المعارض والفعاليات التراثية التي تقام على مدار العام لدورها في تذكير الأجيال بمرحلة مهمة من تاريخ بلادهم، تعامل فيها أجدادهم مع تحديات صحية كبيرة بتلك الوسائل والأدوات البسيطة رغم محدوديتها.
وها نحن اليوم، وبفضل الله ورؤية قيادتنا الرشيدة، قد أصبحنا وجهة للسياحة العلاجية، يفد إلينا الناس من مختلف المناطق. وقد توفرت للإنسان على أرض هذا الوطن الغالي مرافق ومنشآت طبية متقدمة ومتطورة وعالمية المستوى، تسهم في تعزيز صحته وجودة حياته.