- ينسلُّ من جسدي الحذر، وتندفع رجلاي إلى هلاكٍ وشيكٍ كلما سمعتُ كلمة «الحب» أو تناهى إليّ صداها. وكأنما الرجل الرصين، حين يسقطُ في فخٍ مثل هذا، يصيرُ تململهُ رفيفاً، وتخرجُ من بين جنبيه عصافير كانت تختنق. وربما يراه الناسُ بعد ذلك وهو يمزّق ألبوم الذكريات ويطلق الصور السجينة منه لتسبح في فسحة التيه.
- هذا القلمُ الأبيّ، القلم الذي يرفض أن يكتب كلمة «الحب» خوفاً من أن تحرق الورق المكدّس بلا معنى. هل تصلحُ معه المطرقة؟ وهذه الممحاة التي رفضت أن تمسح كلمة الحب، هل حقاً مصنوعة من جمر؟- رأيتهما بأم العين يجلسان صامتين على كرسي الحديقة، العاشقان وقد تخاصما، وكانت بينهما كلمة «الحب» مثل ستارة شفافة سرعان ما احترقت حين تعانقا. قالت الفتاةُ في سرّها: قلبي صندوق فراشات وها هو يُفتح الآن. وقال الفتى في سرّهِ: روحي ملكٌ للمدى حين تبتسمين؟
- كنتُ على ضفة اليأس حين رميتُ قصائدي كلها في النهر فأكلتها التماسيح وصارت تغني. وكنتُ على قمة الأمل حين مددتُ يدي لانتشال حبيبتي من قاع سقوطها، ورفعتها لتكون غيمة، لتكون نجمة، لتكون ارتحالاً، وأصيرُ أنا تحتها نحتاً لرجلٍ صقلت فحواه كلمة «الحب» وصار ينتمي بكيانه كله، للمزالق الآسرة.
- من هذا المجنون الذي رأى قدوم العاصفة وراح يركض باتجاهها؟ ها هو أشعث الشعر وبقميصٍ ممزقٍ يطوف الشوارع بحثاً عن الكلمة التي أيقظت في أعماقه شهوة التحدي. وها هي المرأة التي ظنها واقفة بانتظاره قرب البئر، أصبحت طيفاً في قصيدة مسافرة. القصيدة التي اختزلت كلها في كلمة واحدة هي «الحب» ولا نهاية أو بداية قبلها أو بعدها.
- أعرف فيلسوفاً تعثّر يوماً بحبل أفعى وسقط في الشك. وأعرف شاعراً فقد فمه حين نفخَ في بوق الفراغ. وحين قلّبتُ دفاتر الأرق البنفسجي الذي يشعّ في الليالي الموحشة، سمعتُ آهات رجالٍ كانوا يبحثون عن المرأة الحلم في الخرائب المهجورة، والأحياء الجافة، والشوارع المسكونة بالخوف. تعالي إليهم يا كلمة «الحب» كي تصبح المدينة كرنفالاً للقلوب التائهة. وكي يرتفع فوقهم قمر الوضوح مبدداً التلعثم في النفوس وعلى الألسنة.
- هي إذن كلمة كل الأسرار. خذها قبعة لأيامك وادخل في مرح الوجود بكامل أناقتك الروحية. وخذها مفتاحاً لخروجك من عزلة الوهم، عندما ترى الحياة وكأنك لا ترى سوى جريان الأيام، وأنت بانتظارها.