في التسامح تحضر السعادة؛ لأنه ما من تسامح بين فرد وآخر، إلا ويكون دعامته التصالح مع النفس، وما من شخص نرجسي، إلا ويحفر نفقاً واسعاً، وعميقاً ليدفن فيه الذات ويصير هو ركام الرمل المبثوث في الصدر، ناحية الفؤاد.
في الإمارات علمت القيم الموروثة والعادات الإنسان في هذا البلد أن يكون لفناء البيت بابان، والعريش من جريد النخل مسفوفاً كأنه حبات الخرز، على قماشة فستان حسناء من بني الصحراء النبيلة.
هذه القيم، وتلك العادات، تخرج من مدرستها التاريخية أجيالاً فرغت النفس من النفايات، وحثالة القهوة البائتة، حتى أصبحت الصدور أفنية بيضاء كأنها الموجة، صافية كأنها النجمة، عطرة كأنها الغيمة، وأصبح المجتمع الإماراتي يعيش حالة النقاء، كما هو الطير في غاية صفائه، وكما هي الوردة في ذروة تألقها، وكما هي النخلة في أقصى حالات نبلها، وكرمها.
اليوم عندما نتأمل المشهد الإماراتي، ونقرأ في ملامحه، نشعر بأننا أمام لوحة من نسيج المخمل كتب عليها هنا الإمارات، هنا الإنسان والأرض يتدفقان كالجدول نحو الحياة، يسدهما طوق الحب، مدعوماً بوعي تاريخي، خيطه الأزلي هو ذلك الإدراك بأن الإنسان ابن الأرض، وهذه الأرض لا يستقيم لها مقام دون التسامح؛ لأنه الطاقة الداخلية لكل علاقة بين شخصين أو أكثر، وهذا ما يؤدي إلى جعل (الأنا) بيت الكينونة المخضب بحناء السكينة، المعطر بعبير الطمأنينة، القابض على جمرة الحب، كما هي الغيمة الممسكة بقطرات المطر، وكما هي الرموش وهي تداعب الحلم الزاهي.
الإمارات برزت في الوجود من باطن الصحراء، ومن ظهر الماء، واستطاعت أن تندمج بين مرونة الماء، وعفوية التراب، لتصنع وعيها الواسع، وتشكل أيقونتها التاريخية من جمال المشهد، ورقة الطريق الممهد إلى حيث تمضي الركاب، وحيث تجيد الجياد مهنة الفروسية، وحرفة البقاء في المقدمة منذ الأبدية، وهذه الدولة تحقق إنجازها الحضاري في التعاطي مع الآخر، من دون تعب، ولا سغب؛ لأن التسامح هو شيمة أهل الكرم؛ ولأن التضامن لغة الصحراء وفطرة الماء، واليوم يتعلم الطير المهاجر، لغة التصالح من بيئة إماراتية سخرت كل إمكاناتها ليكون المكان منازل هدأة وسكينة ليس للإنسان فحسب، بل لكل الكائنات.
اليوم في الإمارات أصبح التسامح آلة كونية تحيط بالإنسان من كل مكان، هي كالسماء، هي كالهواء، هي كأنفاسه التي تملأ صدره.
اليوم كلمة التسامح أصبحت أبجدية من خلالها تأخذ اللغة محسناتها البديعية، ويستلهم الوجود معطياته، حتى أصبح التسامح يقرن بالإمارات كمعجم إنساني يملأ الحياة بمتنوعاته، وكما يزخرفها بمختلفاته وما بين المتنوعات والمختلفات هناك خيط الوصل، هناك حبل المشيمة لهذا الجنين العزيز، على كل نفس، لهذه الكلمة المبتغاة روحاً وعقلاً، إنها كلمة التسامح.