لو سألت المسافرين الدائمين عن أسوأ مكان لا يطيقونه خلال أسفارهم، لأجمعوا على رأي واحد، أنها قاعات الانتظار في المطارات أو صالات المغادرة على رأي إخواننا المشارقة أو قاعات الرحيل على رأي إخواننا المغاربة، وخاصة في المطارات القديمة أو مطارات الدول المنكوبة أو تلك المطارات التي تشعر برائحة التهريب والبخششة والفساد المسكوت عنه، وبالرغم من كل البذخ والرفاهية ووسائل التسلية والتدليك والاستحمام وصالونات الحلاقة، وغيرها من أنواع الأطعمة والأشربة في المطارات الحديثة والراقية، فإنها أشبه بموقد جمر يغلي تحت المسافرين العجلين، ومحفز بشع عن بُعد للمسافرين الهادئين، ومصدر ضجر للمسافرين الوجلين التائهين عن أبسط الأشياء، لكن لو أجبرتك الظروف أن تقعد في قاعة انتظار المسافرين في أحد مطارات العواصم التي تشهد حركة مسافرين كبيرة، بعد أن اعتذرت الشركة الناقلة عن تأخر رحلة طائرتها لساعات غير معروفة، نظراً لظروف خارجة عن إرادتها أو بسبب عطل فني طارئ أو بسبب سوء الأحوال الجوية، ساعتها تشعر بثقل على الكتف أو كأنما دُلق عليك سطل ماء بارد، فلا تجد غير أن تبرك على ركبتيك، منتظراً الفرج.
وإذا لم تكن صاحب أشغال وأعمال ومواعيد والتزامات، فيمكن أن تقضي الساعات في قراءة كتاب، والعمل من خلال حاسوبك أو هاتفك، وإن كنت من المتمهلين دون قلق زائد، ومع تدخين سيجارة، وشرب قهوة مُرّة، فيمكن أن تقضيها في التأمل، ومراقبة الحشود الذاهبة، والأفواج الآيبة، وتلك متعة تنشدها، لأنها مشاهد سينمائية تلقائية، خاصة وأن البشر من كل حدب وصوب:
- شخص وجهه لامع من الحلاقة المزدوجة، ومن مسكن البشرة المتوهجة، ذاك الكولونيا الرخيص، ومن الاستعداد الزائد عن الحاجة قبل السفر، تشعر أنه مخلص كثيراً لأشيائه القديمة، البدلة، الموديل، وربطة العنق المشجرة والتي فقدت بريقها، والحقيبة الجلدية، وجريدة صدرت قبل يومين، وأوراق كثيرة وقصاصات لا تعني شيئاً، وليس بحاجة لها في سفره، يشعرك أنه ذاهب لعقد عمل في الخليج، ولن يعود إلا بعد سنتين، وعلى مضض.
- شخص مشمئز، يبدو أنه يشكو من حموضة منذ الفجر الباكر، والاستيقاظ الصباحي يعكر صفو عافيته، والمطار يزيد من غثيانه، والقهوة التي طلبها مرتين، والخوف من مجهول الجهة التي يقصدها، وقد تأخرت طائرتها، وبكاء الزوجة الذي جاء في غير وقته، وصراف المطار الذي غمطه بـ 7 دولارات، يشعرك أنه يريد أن يتعارك مع واحد أضعف منه، ليفتك به.
- امرأة أفريقية، وحين تقول امرأة أفريقية، فيعني أنها سمينة، وتحمل حقائب زائدة في يدها وعلى ظهرها، ورابطة رأسها بعمامة مزركشة وثقيلة من دون وجع، وجوازها في يدها وتذكرتها في يدها، وأكياس لا تسعها يدها، تشعرك بتلك الألوان النارية أنها خارجة من موقد حطب، ويزيد من وهجها الذهب ومشغولاتها الكبيرة التي تتحلى بها، تبدو أنها ذاهبة على وجهها وفي سبحانيتها، ومتجهة إلى بوابة مغادرة بطريق الخطأ، كل هذا وهي لا تشكو من مشكلة مطلقاً.. وغداً نكمل.