في سياق السفر نحو عالم تؤمه الطمأنينة، نشهد اليوم ما يثري الوجدان، وما يغني الروح وما يجعل العقل في استراحة زمنية، بعد مشاهد عمت، وطغت، وألهبت، الأكباد وسعرت الصدور، اليوم نصبح على خير الاتفاق التاريخي بين لبنان وإسرائيل على إيقاف النزيف الدموي، وتحريك مياه السلام بحيث تسكت الضغائن، والعدائية البغيضة.
والله لو علم الجميع أن الحروب ليست إلا بذرة شيطانية زرعتها الأنا المتضخمة، لما أطلقت رصاصة واحدة، ولو حتى في الهواء الطلق، ولكن كيف يمكن إقناع العالم بهذا المبدأ؟ كيف يمكن للكلمات أن تجد آذاناً صاغية، وعقولاً واعية، وصدوراً واسعة، تتسع كل الدروب، ليصل الإنسان إلى منازل المحبة والألفة، والتضامن.
لو تتبعنا المعنى في المقولة التالية سوف نعي دورنا في هذا العالم، والتي مفادها «يكمن كنز البشرية في تنوعها الإبداعي، ومصدر تنوعها وحدتها المولدة». أدغار موران.
ومن شاهد بالأمس على الشاشات التلفزيونية كيف كانت الحشود البشرية في جنوب لبنان تزحف بلهفة نحو البيوت التي هدمها العنف، وكيف كان الشباب والصغار، وكبار السن، يتدافعون باتجاه منازلهم، فهذا المنظر المهيب يدل على أن الشعوب تهوى السلام، وتتمنى أن تعيش بسلام، تحت سقوف منازلها، ومن دون هدير، ولا زئير، شعوبنا ملت الحروب، وكرهت الشعارات، ولكن السياسة، وما أدراك ما السياسة.
ونحن نطالع المشهد كانت قلوبنا على غزة، ودعواتنا بأن يمنّ الله على هؤلاء الذين، تشققت خيامهم القماشية وأصبحوا تحت سطوة الطبيعة القاسية، دعواتنا لهم بأن يحظوا بالسلام كحق شرعي ووجودي، يستحقونه، وواجب على الأمم المتحضرة أن تنظر إلى هؤلاء، فقد حان وقت السلام، حانت لحظة الحقيقة، ولتنقشع الغمة، وتذهب النقمة، وليعش أطفال غزة كسائر شعوب العالم بسلام، وأمن وحرية، فلا شيء أجمل من السلام، ولا شيء أروع من أن يصحو طفل غزة، وفي يده اليسرى حقيبة المدرسة، وفي اليمنى شطيرة جبن تسد رمقه، وتكسر جوعه، وتحييه كسائر أطفال العالم.
نتمنى السلام لكل العالم، نتمناه يعم ولا يخص، نتمناه يصبح ملاءة مخملية تدفئ قلوب أمهات العالم، وتلف أعناق رجاله، نتمناه سلاماً عادلاً لا يبخس أحد حقه في العيش كريماً، ومحترماً.
فكم هو السلام جميل، ورائع عندما تصبح البشرية تحت سقف السماء الزرقاء هانئة، متضامنة، من أجل الحفاظ على كوكبنا، وبيتنا، وحضننا، وحصننا، ووجودنا.
نتمنى وليت الأماني تصدق، ليت الآمال تفرش عباءتها على أرواحنا وتجعلنا نفكر في المستقبل كأسرة عالمية واحدة، يضمها بيت واحد، وطموح واحد، وهدف واحد.