كانت إشراقة مبهجة، أخرجت من لجة الزمان مفردات تعلقت كثيراً بدفاتر الأيام، وأحلام بيت الخبر والسطر المكلل بأحداث بعضها نعيم وبعضها شابَه ما شابه من خفقات الإنسان القادم من ثنيات العمر، وما تلاه من أسئلة أهمها من أنا؟ حيث الزمان غير الزمان، والمكان يخب بمتغيرات، وتحولات في التاريخ والفكر والعمل.
كانت دعوة كريمة من المجلس الوطني للإعلام برئاسة معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، حيث التأم الجمع الإعلامي على مائدة حوارية شفافة كأنها النسيم، ورغم صولات العمر، ودوراته التي مسحت الوجوه بطائفة من ركلات الزمان، إلا أن الأرواح كانت كطيور على أجنحتها ترفرف فرحة التواصل والوصول إلى حيث تكون الكلمات مبعث تفاؤل بغدٍ يجعل من الحاضر خيطاً رفيعاً يناوش الماضي برغيف المحبة، والوفاء، والإيثار، وتحقيق الأثر على وريقات الزمان، وكان اللقاء، كان الاحتفاء، كانت الابتسامات تسبق ما في القلوب من تعب الأيام، والإحساس بانقضاء الوقت الأصلي لسباق الجياد نحو المدى، والمدى يكمن في صفحات إعلامية، وشاشات، ومايكروفونات، تلون صباحات الوطن بشدو البلابل، وتغريد العصافير، ولكن في الإمارات تبدو الأغنيات جزيلة، والأناشيد ترفع الصدى ليصل إلى الأسماع، والعالم ينصت، والذاكرة تستيقظ في اللحظة المناسبة كي تحصد ما أثمرته الأشجار السامقة، وما جادت به تربة وطن، علمنا دوماً على النبل، علمنا على تكريم الكرماء.
يوم الاثنين، وفي صباحه المتأخر، كان مهيباً، وكان رحيباً، كان سخياً في فتح النوافذ لأجل مطالعة كتب الأيام، والبحث عن فاصلة توصل الجمل، ولا تنهي الحكاية، حكاية وطن علَّم الناس كيف الحب، وكيف تبدأ الرسالة معنونة بأن العناقيد لا تفصل بعضها عن بعض.
في ذلك الصباح البهي، استمعت إلى معالجات، واختلاجات، وأصغيت إلى تدفق الجداول من بين طيات النخيل، وأنصت إلى كلمات كان لها في القلب أثر، وفي الروح أكثر من سطر، والذاكرة استفاقت على ترنيمات كأنها الشعر وهي أقرب إلى ما تنثره اللواعج لمجرد لاستدارة إلى زمن، واستدعاء، صور ووجوه، وعلاقات، كانت في الأصل مربط فرس البناء على تراكمات جعلت من صحافة الإمارات أمواجاً، يدفع بعضها بعضاً نحو شطآن التألق.
كان صباح الاثنين جلسة غنائية ملهمة، مسهبة في الإنشاد، وتقليب المواجع اللذيذة، وتحريك المياه الراكدة في النفوس، وكان اثنين المحبة، اثنين الحقيقة، اثنين الطريقة المثلى التي اعتمدها معالي الشيخ عبدالله آل حامد في تعريفه للقاء، وهو لقاء الاعتزاز بالتاريخ، وما الإنسان إلا صانع لقميص التاريخ، وملون لنسيجه.
في ذلك اللقاء دارت عجلة الذاكرة، وجمعت الأسئلة في وعاء الإجابات الصريحة، والواضحة، والمعقمة بأمصال النفس المطمئنة، فحضر الراحلون، وانتصبوا قدوات، وسمقوا أشجاراً وارفة، ولم يكن الغياب إلا حضوراً متوجاً بالحب، والذكرى الطيبة، لمن أعطوا بجزالة وأعطوا بصدق، أما الحاضرون فكانوا على مائدة المطالعة، وجدوا أنفسهم يدوزنون اللقاء بأحلام ملؤها الاستدعاء، واستعادة بيت الشعر
ليت الشباب يعود يوماً فأذكره بما فعل المشيب.
ثم المسح على الذقون الفضية، والنظر إلى سقف المكان، ثم إرسال ابتسامة شائقة، ثم الالتفات إلى المستقبل؛ لأنه بأي حال من الأحوال لا بد أن يكون هو الأبقى، وهو الأجمل.