جميلة كانت تلك الصباحية التي جمعتنا برفاق العمل الإعلامي في العقود الماضية، فكل واحد منهم كان يحمل على كتفيه ثقل أربعين عاماً من العمل في وسائل الإعلام المختلفة، والكثير منهم رواد في مجال تخصصاتهم، وما أثروا به الساحة الإعلامية والثقافية، وما أثّروا به في الأجيال التي تتلمذت على أيديهم. 
صباحية يقظة، بوجوه غيرت السنون شيئاً من بريق حضورها، لكنه تعب الجسد الذي يهون في حضور الروح، وما يمكن أن تعطيه الأنفس المجبولة على حب الوطن وأهل الدار، فالإعلامي لا يتقاعد، لأنه لا يهرم، وحدها السنوات تجوهره، وتجعل لعطائه تلك الاستمرارية والديمومة، هكذا هو شأن من كان همهم وحلمهم أن ينخرطوا في مجالات العمل الإعلامي الشاق والمرهق بإرادة وحب.
كانت دعوة كريمة من المجلس الوطني للإعلام، وبمبادرة من معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد الذي كان حريصاً على الاستماع إلى جميع آراء وتعليقات ومداخلات رواد الإعلام الذين تمكنوا من الحضور، وكان عددهم كبيراً، كانت جلسة حوارية تخص الإعلام وهويته الوطنية، وتراجع الإعلام التقليدي أمام الإعلام الرقمي الحديث، والثورات الجديدة فيه من خلال الذكاء الاصطناعي، وتفرعاته المستقبلية، ومدى الاستفادة من خبرات الرواد في التخطيط الاستراتيجي للإعلام، ومشاركاتهم الفعلية في الأنشطة والبرامج والندوات لكسر أوقاتهم الجديدة بعد التقاعد، وانزوائية البعض من التواجد الإعلامي والتواصل الاجتماعي، والاكتفاء عن تطوير الذات، والدخول في الإعلام المستقبلي بمعارف وثقافة الإعلام التقليدي.
كانت فرصة جميلة للالتقاء من جديد، فرصة لتذكر الراحلين من الزملاء والرفاق، وتذكر الإخوة العرب الذين بدأوا هنا مبكراً في تأسيس وسائل الإعلام المختلفة، والدعوة بضرورة إعادة التواصل معهم من خلال المجلس الوطني للإعلام، لمعرفة أحوالهم وتكريمهم عرفاناً بالجميل، وفرصة سانحة أن يروا الإمارات اليوم، وما وصلت إليه من نهضة شاملة، وتطور غير مسبوق في المجالات كافة، وتصدرها الريادة في جوانب مختلفة في الحياة.
محمودة دائماً مبادرات الالتقاء والتواصل، خاصة بين زملاء المهنة الواحدة، والإعلام أكثرها لأن مهمته الأولى الاتصال والتواصل وتأدية الرسالة، وأن هناك فجوة كبيرة بين المؤسسات الإعلامية القائمة، وبين الرواد الأوائل في مجال الإعلام، حتى أن الجيل الجديد في هذه المؤسسات يكاد لا يعرف الجيل القديم، ولا يتذكر دوره، وبالتالي الجيل القديم يرى أن إعلامي اليوم باهت وبلا ملامح، ولا يحمل تلك الثقافة العميقة، وهو أقرب لموجة «السوشيال ميديا» الترفيه والتسلية والتسابق على الظهور دون مصداقية.
لكن بعيداً عن تلك المساجلات، كان اللقاء عائلياً وحميمياً، وكثر الله أمثال هذه اللقاءات ومن بادروا بها.. والتحية للجميع، وخاصة رواد الإعلام المتقدمين والتالين.