العفو سمة الأوفياء، والإيثار خصلة النجباء، والتفاني روح النبلاء، ولا يصدر هذا العفو إلا من قلب تشرَّب من الحنان، ما يجعله نهراً للتسامح، وجبلاً للشموخ، وسارية تحمل على عاتقها عَلَم الصفح، والانتماء إلى الإنسان المتجرد من كل ما يعلق بالنفس البشرية من صدأ التاريخ العدمي.
عفو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن المتهمين في أحداث «السوبر» المصري بأبوظبي، يأتي منسجماً مع أخلاق الإمارات وقيادتها، كما يرتبط بالعلاقات الحميمة مع مصر وشعبها وقيادتها، الأمر الذي يجعل الصفح مساحة شاسعة، تترعرع عليها تلك القيم النبيلة التي تربت عليها الإمارات، ونشأت القيادة على أنشودة الإنسانية عالية المنسوب.
تاريخ الإمارات يشير بالبنان، بعلو بنيان الوشائج التي تربط الإمارات ومصر، وتاريخ الإمارات يوثق دائماً تلك الوشائج، ويعلي من شأنها كون سياسة الإمارات قائمة في الأساس على أخلاق المحبة، وكتابة العلاقات بحبر من دماء القلوب عاشقة الوصل، مدنفة بالتواصل، مستلهمة هذه السجايا من إرث الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي بنيت رؤيته على خصال الصحراء واسعة الحدقات، وعلى نبل هذه الأرض السخية، فلم تخرج قيادتنا الرشيدة عن منوال هذا النهر العظيم، ولم تجد من طريق في بناء العلاقات مع الآخر غير السلام، سلام النفس، سلام الكلمة، سلام القرارات الصعبة، والكبيرة.
لا شك في أنه كان عفواً باتجاه أحلام ترعرعت بين الرموش، فشيدت عند المقلة علامة فارقة في زمان الإمارات، تجعلها كأنها القصيدة العصماء في فرادتها، وكأنها النخلة في عطائها، وكأنها الصوت على لسان الطير، وكأنها الرفرفة تغدق الفراشات جمالاً، وشفافية.
ولا شك كان عفواً يعلِّم الناس كيف يكون الحب رائعاً عندما ينتصر على كل ملمات الدنيا، وكيف يكون الحب برونق العيون الحور، عندما يتجاوز معطيات اللحظة الراهنة، وينظر إلى ما بعد ما يحدث، وما يقلق؛ لأن الروح الشفافة هي مرآة العقل الكبير، وهي كلمة القلب العظيم.
الإنسان العفوُّ هو الإنسان المحصن بقدرات أخلاقية تضاهي مطلع الشمس، وتساوي حدود النور في وجه اللجين، وتوازي ابتسامة النهار على شفتي الحياة المنعمة بالسعادة، وخير أصحاب الفضل، والرحمة، ولين المعشر.
عفو صاحب السمو رئيس الدولة عن المتهمين في ذلك المساء، هو درس تتعلمه الأجيال، وكلمة فصل في بناء الأفكار، حيث الأفكار أسوار كلما تنقت من الدنس، كلما أصبحت حصناً حصيناً، تضع الإنسان في أحضانها، شجرة طيبة جذرها في الأرض وفرعها في السماء.