وأنت تسير في الشوارع، وتجول بين الأزقة والحواري والمدن والقرى، وترى هذا الشامخ يرفع النشيد عالياً، تراه يصفق للذين حققوا مجد الإمارات، والذين ألفوا رواية من أجمل روايات الوجود على أرض لها في المجد رايات، وفي الحب روايات، وفي النسق المترامي في الوجود أمسيات تترنم بها القلوب، والأرواح قيثارتها، وأنت تعاين النجمة في عيون الصغار، فتشعر أن للسماء بصمة من بريق الفرح المهيب، ترى هذا الشامخ الراسخ يرفرف كأجنحة الطير، ويغني للحياة، لسؤدد شعب أحب الحياة فأحبته فمنحته اللقيا عند هامات الغيمة المتألقة، كأنها أنملة تخيط قماشة الأمنيات على ضمير العشاق الذين سعوا، وثابروا، وبادروا، وصنعوا من الاتحاد المجيد أنشودة، يتغنى بها الطير والشجر، والناس أجمعين، ترى في هذا اليوم التاريخ يسبك حروفاً من ذهب، باسم دولة أيقظت في القلوب بهجة، ورسمت على صفحات الأرواح خريطة طريق من أجل المدى، من أجل غايات، ونوايا منسوجة من حرير الصدق، والإيمان بأن الاتحاد هو الأبجدية، وهو النهج، والسرد القويم لقيادة وشعب، سارا في الدرب الطويل، ومكللين بأحلام عالم يتخلق في الضمير كأجنة تتصدر المشهد في البناء، والنشوء والارتقاء.
اليوم في هذا الصباح، أقف على المشهد، وأقرأ سيرة بلادي، وأتهجى ألوان العلم، وأفسر الحلم الذي طاف تحت الجفون، وكان محملاً بعطر النخلة، ولمعة الدر بين يدي زارع وغواص، وكلاهما قالا في فجر ما، الله اجعل لهذه الأرض علماً واحداً كهذه النخلة، وكتلك المحارة المضيئة في أعماق بحر الخليج العربي، وها هي النخلة تنبثق عن سارية كأنها الشهاب المبين، وهذه المحارة تتفتق عن تضاريس تفتح جداولها للفرح.
فأرفع صوتي عالياً، أرفع النشيد مدوياً، أرفع صورة الباني المؤسس، وأقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة وأزف الشكر والعرفان، لقيادة أمنت الطريق إلى المجد، وحققت الأمنيات، وأنجزت مشروعاً هو في الوجود، لا تضارعه إلا الكواكب والنجوم، في قوته، وعظمة شأنه، ومكانته بين الأمم.
وطن جذر في الذاكرة صورة الحياة وكيف تكون، عندما تتعانق المشاعر، وتسير الأجساد كتفاً بكتف، وتمضي الركاب جذلانة بهذا المنظر، هذا الهصور، الغضنفر، هذا الصرح المتوج بأحلام العشاق، والذين في قلوبهم رفرفة الطير وهو يلامس نسمات الفجر، متطلعاً لغد مشرق، متألق، متدفق، كأنه الجداول في عروق العشب، وشرايين الشجر.
فكم هي الحياة ذات معنى عندما تكون في وطن شوارعه أذرع تحتويك، وسماؤه سقف يضم فؤادك، وأرضه سجادة تحفظ خطواتك، من الزلل، وتحميك من الخلل.
كم هي الحياة. رائعة، كروعة الطفولة عندما يقبلك الوطن عند كل صباح بشفة، لها رضاب الحنان، ودفء الحب الصافي.
فشكراً.. شكراً للذين يصنعون من الوطن جناح فراشة، ومن أحلامنا رموشاً معبقة بأثمد الآمال العريضة.