الروابط الإنسانية التي تجمع بين المدير والموظف هي ذاتها معادلة البيضة والدجاجة، من جاء قبل الآخر في حسابات التكوين والزمان والقضاء والقدر. بعض بيئات العمل هي أشبه بمتلازمة استوكهولم التي نتفلسف في ظلها أحياناً، إذ يقف واقعها بعيداً عن استخدام المنطق والتضامن العاطفي والأخلاقي أو حتى منظومة التعامل الإنساني. وعلى أطلال الذكريات سألت نفسي عن حقيقة الإدارة الفعالة، فتبين لي أنها تتطلب عناصر منها الشجاعة، والذكاء، وجمال الروح وخفة الدم، والقدرة على التحليل وربط الأمور، وقياس نجاح المخرجات، واحتواء المواقف بجمالٍ ورشاقة، ولمّ الشمل ونشر المحبة والعطاء بإيثار ونأي عن الغيرة والحقد، والحسد، والأنانية والبغضاء. إضافة إلى ذلك، فهي تتطلب خططاً سهلة التنفيذ تحفز روح الفريق وتعزز الوفاء وتكرس العطاء. أرى أن العقلية الذكية والشخصية الحكيمة تجمع بين سلامة القلب وصدق النية ونقاء السريرة وبهجة الحضور، التي تجعل من التفاعل الإنساني تجربة لا تُنسى وقد تُكرر. فالذكاء الحقيقي هو ذاك الذي يوظف لبناء علاقات ومساحة من الحب والدعم والإيمان بكفاءة فريقه. إدارة الأفراد تحتم وجود الذكاء العاطفي والأخلاقي، حتى لا نرى زملاءنا وكأنهم مجرد أدوات، بل يُنظر إليهم بإعجابٍ وإيجابية لأنهم شركاء، بل هم رأسمال النجاح. مديرو الفرق والمجموعات من صفاتهم الأساسية التحلي بروح الفريق فيكونون قدوةً في الوفاء والعطاء، حتى يُلهموا من حولهم ويدفعوهم لتحقيق أفضل ما لديهم، بدلاً من إحباطهم و«كسر مياديفهم» بكلماتِ لها وقع السهام والشهب. كفاءة رئيس العمل تتمثل في جمعه بين الحزم واللطف، فهو يعرف شخصيات من حوله ويتعامل معهم بناء على معطياتها لخلق بيئة آمنة نفسياً تتيح لفريقه العمل بأريحية وثبات. والأهم من ذلك كله أن يتميز بالعدل والإنصاف وثبات رمانة الميزان.
للعارفين أقول: إن اللطف مثل الحلم والصبر في سيادتها للأخلاق. وعن السلطة يقول ابن منظور في لسان العرب: «السَّلاطةُ: القَهْرُ، وقد سَلَّطَه اللّهُ فتَسَلَّطَ عليهم، والسَّلْطُ والسَّلِيطُ: الطويلُ اللسانِ، والأُنثى سَلِيطةٌ وسَلَطانةٌ.. ورجل سَلِيطٌ أَي فصيح حَدِيدُ اللسان بَيّنُ السَّلاطةِ والسُّلوطةِ. ابن الأَعرابي: السُّلُطُ القَوائمُ الطِّوالُ، وقال الزجّاج في قوله تعالى: ولقد أَرْسَلْنا موسى بآياتِنا وسُلطانٍ مُبين، أَي وحُجَّةٍ بَيِّنةٍ. والسُّلطان إِنما سمي سُلْطاناً لأَنه حجةُ اللّهِ في أَرضه ولذلك قيل للأُمراء سَلاطين لأَنهم الذين تقام بهم الحجة والحُقوق. وقوله تعالى: وما كان له عليهم من سُلْطان، أَي ما كان له عليهم من حجة كما قال: «إِنَّ عبادي ليس لك عليهم سُلْطانٌ»، اعلموا أن إدارة البشر كانت سلاحاً ذا حدين وأصبحت قناعاً ذا وجهين، وبالرغم «تغزل ميّ والركاب تسير»، بينما يتغنى الصغار بأهازيج تضحكنا دوماً، منها «عمتيه مرت أبويه.. الله يسلط عليها.. يوم يتها الهدية.. دستها في الزوية.. تتحسبني طلابة.. أطلب على البيبان.. ماجن أبويه تاير.. بيصوغ لي الدلال»، نسمح لكم القراءة بين السطور.