بحر اللؤلؤ وشواطئ الأمل، التي أنعم الله على أهلنا ووطننا بها، هي بحار وشواطئ للعطاء والتسامح والإنسانية.. كنت في أستراليا الأسبوع الفائت، تحاورت على هامش المؤتمر الذي شاركت فيه مع أحد الخبراء في مجال إدارة المعلومات في العوالم الافتراضية التي تستعين بالذكاء الاصطناعي، فقال: «إن قفزة الإمارات في السنوات الثلاث والخمسين المنصرمة قفزة نوعية، قلّصت عليكم مساحات شاسعة من وجع الدماغ»، فقلت له: «سيدي الفاضل، إنها القيادة الرشيدة التي ترى المستقبل كماضٍ وتتطلع دوماً للمضي قدماً بشجاعة وجسارة، تؤتي أُكلها».
 في القمة العالمية للحكومات، وبالتحديد في عام 2013، وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بأن تسخّر التكنولوجيا والابتكار لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية، وأن تبدأ مرحلة جديدة تسهل التعاملات لتصبح في متناول اليد، أي أن تحل الهواتف الذكية وتطبيقاتها لتقليص البيروقراطية، وضمان استمرارية الأعمال، ثم تحولنا من عالم الورقيات إلى عالم البرمجيات، فلا أشجار تقطع ولا مكبات تمتلئ، أصبحت الإمارات أيقونة في حفاظها على البصمة الخضراء، وتقليل الانبعاثات الكربونية..»، قال وهو يبتسم: «صحيح يا عائشة ما تقولين، فقد زرت بلادكم التي انتقلت من صيد اللؤلؤ إلى المريخ في فترة قياسية تُقلقُ من يحلل ويعلل ويقيس حضارات الشعوب مستخدماً وحدات الزمن المتعارف عليها».
يبدو أن هذا الخبير كان متعطشاً لمعرفة المزيد عن بلاد تضع مقاييس القدوة وعلى مستوى عالمي، طلب مني الجلوس معه لاحتساء الشاي، فقد كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصراً، قبلت الدعوة، وقلت له: «بلادنا بلاد خير، فقد أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ذلك القائد الاستثنائي والرجل الأسطورة الذي بحكمته رسم خريطة طريق ومنهج حياة وأسلوب تعامل ليس له مثيل»، وعندما جاء وقت الرحيل سألني: «هل ستلبين دعوتنا للمؤتمر القادم في مدينة مالبورن؟»، فقلت له: «بكل سرور، ما يرد الكريم إلا اللئيم»، وفي لسان العرب اللُّؤْم: ضد العِتْقِ والكَرَمِ. واللَّئِيمُ: الدَّنيءُ الأَصلِ الشحيحُ النفس والذي يرى مصلحته فوق كل مصلحة.
ما إن افترقنا حتى استوقفني شخص آخر وسألني: «دكتورة عائشة، هل هناك أساطير مرتبطة بصيد اللؤلؤ في الخليج أو أي دلالات على مرور الإسكندر المقدوني بمياه الخليج العربي؟ فأجبته: «لدينا أقدم لؤلؤة عرفها التاريخ، فقد تم اكتشافها في جزيرة مروح التابعة لإمارة أبوظبي عام 2019، وهذا دليل قاطع على عمق ارتباط أهالينا بالبحر والغوص على اللؤلؤ، وهو ارتباط وثيق بملحمة جلجامش الذي كان يبحث عن سر الحياة وإكسير الشباب فوجده في مغاصات البحرين.. سيدي الكريم سنبحث معاً في هذا الأمر؛ لأنني مولعة بالأساطير التي تقع بين الواقع والتصور ثم تصبح جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الثقافي المادي.. تَفَكر في الأسطورة التي أصبحت جزءاً من الهوية الوطنية، انظر إلى علم جمهورية المكسيك، وسيتجلى لك ما أقصده». 
ثم ودعته على أمل اللقاء معه عبر الفضاءات الافتراضية لاستكمال البحث المشترك الذي أثار اهتمامنا بتاريخ الإمارات العميق المتعلق بالأسطورة في مشهدها العالمي.
للعارفين أقول: شكراً لقيادتنا التي تحفز فينا الإنسانية والعطاء، وتبادل المعرفة، ونشر المحبة والسعادة.
 إلى أن نلتقي.. لأستراليا سلام وتحية ومزيد الاحترام.