في إحدى جلسات المؤتمر الدولي للأرشيف، الذي عُقِد في دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي، وفي جلسة حوارية للشباب تشاركت مع مدراء تنفيذيين وخبراء من أستراليا، في نقاش كان محوره كيفية استقطاب الشباب وتسخير المعلومات لهم ولمستقبل اختراعاتهم وإبداعاتهم، وفي نهاية الجلسة نظر السيد جيرمي مانفورد إليّ وقال: سوف أدعوك لحضور المؤتمر الذي يتعلق بإدارة المعلومات وأساليب توظيف الذكاء الاصطناعي لحل مشاكل تتعلق بتحليل وتوظيف المعلومات الآن والمستقبل. تبادلت معه الملاطفات وشكرته على الدعوة التي كانت افتراضية حينها، وقال ضاحكاً في نهاية اللقاء: دكتورة عائشة، لا تنسي أن تحضري معك معطفاً ثقيل الوزن لأن مؤتمرنا سيكون في أول أسبوع من شهر سبتمبر، بادلته الدعابة وكان ردي له: نعم إنك صدقت، ليكون سهيل جد ظهر والماء برد وفي السماء غيم!، كل ذلك قلته بالإنجليزي!، وبعد ثلاثة أشهر من تلك الواقعة بالتمام والكمال وصلتني دعوة رسمية من السيد جيرمي يقول فيها، إنه سيتكفل بالسفر والإقامة والإعاشة والتنقلات وجميع متطلبات الحياة التي قد أريدها أثناء وجودي في أستراليا، دعوة قبلتها برحابة صدر فقد كان إصراره مدعاة اعتزاز وثقة، وعندما التقيته في الأسبوع الماضي ترك ما كان بين يديه ورحب وهلل بي وعرفني على كل شخص يعرفه من قريب أو التقاه للتو.
بعد التسجيل للمؤتمر نظرت إلى الجدول فوجدت اسمي يتكرر في جميع صفحاته، فقد كان لدي لقاء شخصي في قاعة العارضين، محاضرة رئيسية في اليوم التالي، جلسة عصف ذهني حول توظيف إدارة المعلومات في مناهج التعليم، محاضرة عن التاريخ الشفاهي وقوة الموروث الإماراتي ودور ذلك في نشر السلام والتعايش السلمي داخل المجتمع وخارجه، ثم الجلسة الختامية لنقاش النظرة المستقبلية لإدارة المعلومات والبحث عن الحقيقة في ظل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي.
في كل جلسة وحوار ومداخلة وسؤال أجد من يقول لي «لم نكن نتصور أن الإماراتيين قد بلغوا هذا القدر من العلم والمعرفة والإبداع في 53 سنة، إنكم محظوظون بقيادة ترى المستقبل وتصنعه بجمال وإنسانية».
للعارفين أقول، كانت هذه التجربة من أجمل ما تشرفت به لا سيما في الحديث عن ما تحبه في الماضي وما يشغلنا الآن وما نتطلع إليه غداً، اجتماعات مثل هذه تبني الجسور وتعمق الفهم وتمحو الصور النمطية لنستبدلها بصورة يبتسم كل من فيها وهم يحدقون في مستقبل مشترك يعمه السلام والآدمية.. عندما ودّعت السيد جيرمي قال لي: سنلتقي في ملبورن العام القادم!، فقلت له: إن كان لنا عمر سيكون لنا بإذن الله لقاء، فقال لي أحد الشباب: الإماراتيون صناع المستقبل، ويقبلون التحدي وهم غير! فأكدت عليه ذلك: نعم يا سيدي الكريم، الإماراتيون غير وما عليهم زود.