بخيالهم زمن متقد بالحلم، ينسجون عوالم من هذيان، من سمات، من اغتراب، من عشوائية، ربما تؤجج المدينة حضورهم الموجع بين فصول الوقت، وإيقاعات زمن مدن متعددة الكيانات، يعانون بما في دواخلهم من مرايا فاصلة، ما بينهم وبين الملأ حيوات زمن ربما لا يعنيهم، أو لم يعد يعنيهم، لا يشعرهم بشيء ما، سوى مد من فراغات محتدمة، ورتم متسارع، ذوبان مثقل بأنماط مختلفة، تشظ خفي، في حوار متواصل مع الذاكرة، بلغة تشرذم، يتحدثون بقلق، لا تفهم ما تعني كلماتهم، ولا حواراتهم، وما ينسجون حولها من ضوضاء تضج ليلاً وتهدأ، تدون ارتباكات مخيفة، وقع صباحات تنفطر بهم أو دونهم، مريرة أو حزينة أو فرحة تقترب من بدايات يومية مثقلة بالحكايات والرؤى.
تجر الحياة رتمها نحو القادم من مشهد مسرحي حي، فطنوا أدوارهم ومنهجهم، يستمرون على نحو مسكون بالدهشة بما يضم من مشاهد تترك انطباعات لهم بمجرد انتهاء الدور الماثل بخيالهم، يهمسون بين المارة، ظاهرة تهيمن على الوجود بكثرة على تقاسيم المكان والوقت تلفظ خطواتهم الأرصفة والزوايا يضجر الناس من امتثالهم بالضياع والهذيان الخفي، شعور الناس مستتر، في إخفاقهم، وفي تجردهم التام من الحياة، لا انتماء لزمن يبصر هاجسهم، لا تصويب لهم بمنطوق الحقيقة واليقين، مزجتهم الحياة بين نمنمات الوقت، كهدنة في جوف رهان الزمن.
بين معالم المدينة يقفون في زوايا معتادة، يرخون رحالهم أينما يرغبون في الاعتداد بأنفسهم خير اعتداد، يستهلون خطابهم المفعم بشيء من الضجيج، يتقمصون بأنفسهم حالات من مختلف فئات المجتمعات، يرون أنفسهم أحيانا قضاة، وعمداء وأستاذة تدريس، ينطقون بحروف الحياة، وبمهنها المختلفة، يفضون كلمات متشابكة حروفها، وتعابير مختلفة تتناثر وتندثر من معناها.
يذهب بهم خيالهم نحو افتعال ألعاب رياضية، وربما بهلوانية خطيرة، أو يجرى أحدهم، وآخر يقرأ كتاباً ويحاجج الكاتب بكلمات حادة في نقده، رداً على الكاتب بأسلوبه الخاص، وبمنهجية الناقد، وكأن الكاتب يصغي إليه في تلك اللحظات المقتبسة من الهذيان والنسيان.
ربما تحضر حياتهم هكذا وتتوق بهم لشيء ما، ربما بحثاً عن نجاح لم يحصدوا ثمراته، حالهم الشغف نحو حياة التمثيل الوجودي جراء الهلوسة والهذيان بحثاً عن قيم ذاتية مفقودة، تراهم وسط إيقاعات خيالية مفرطة بوجودهم، فلا يخلو شارع بالمدينة منهم، ولا الطرقات تمحو أثرهم، ضمن معالم يومية يشغلون ذواتهم بذوات الآخرين في انكفاء ذاتي.