تبدد سانتا مونيكا لحظاتها بما تفضي به من طقوس، ومشاهدات تلهم سر جمالها، وكأن الناس قد تحرروا من مشاغل وإرهاقات الحياة، تفرد خطواتها أينما يدلها الفرح، حيث النفوس البهية، تفض لفظها في لغات، تجر مختلف أصواتها، تموج بين العزف الموسيقي الهادئ والصخب، لمعان للماء يطل على حافة موج المحيط الهادئ، يتوغل في تعداد الطواف، في الممشى، نحو ممر بحري المدى، يسمى رصيفها العلوي فوق الماء، والحاجز ينفصل بينها وبين الساحل، بما يوحي بأن الناس في ممشى على المحيط، يطوقهم ضوء الشمس، وتأنسهم طيور النورس محلقة حيناً، وتحط على الأوتاد حيناً آخر، محاصرة الصيادين، خاطفة ما تركوا لها من فتات.
جمع غفير، الناس آتون، وراحلون بعد استمتاعهم بأجواء جاذبة، تفد إليها من بيوت، تروض الوقت وتبدد الضجر، تصرف الهموم أياً كانت، وتعظم الشوق والحنين بجمال الكون، إنها سانت مونيكا تعانق ما يرهف الصدور، ومشاعر الود، ترى الأطفال على الساحل، تعجن التراب وتلطخ بالطين، وتبني بيوتاً من رشراش الموج والرذاذ.
يرهفك منظر المحيط الخلاب، والهواء الطلق البارد النقي، لا يغادرها السحر، يتجدد بهاء، ويوسمها باختلاجات من طور الحياة، يظهر الناس مهاراتهم، إمكاناتهم وخفاياهم، ينثرون المسرات، تعيد للنفس طيبها وطبيبها، وتبقى في سهوها ولهوها.
لا يخلو الممر من البائعين والبائعات لأيقونات سانتا مونيكا المعلقة من ميداليات وصور، وقبعات ملونة، صنعت من قش وجلود، ترى أصنافاً من أكلات مكسيكية حسب ما تشتهي الأنفس، في رحاب الأجواء تكمن حياتهم، ملابسهم، فطرتهم، وتدر عليهم بما يطل من أفواج السياح من كل حدب وصَوْب.
تهيأت للجلوس في نهاية الرصيف، إطلالة مقهى على ضفاف المحيط، إذ جاءت النادلة ذات الجمال والحسن، بهدوء المتأمل طلبت قهوتي المعتادة، وهي تلفظ لغتها المكسيكية، قالت: أأنت مكسيكي؟ أجبتها حالاً، لا: أنا عربي، ولا أتحدث المكسيكية، همست بضحكة بريئة، ومضت لإحضار القهوة، وكوب من الماء البارد.