حي «وست وود» تختزل فيه المشاهد بجهات في أقصى فضائها تلوح تعجباً، أينما أطلت بوجهها الظلال ترمي الحياة بسحرها، تخطفك نوافير الماء من حيث لا تعلم، تغرس في خطواتك مدى بين ممرات جامعة كاليفورنيا، حيث تمضي بين حدائقها الغناء، لتجني منها ألواناً، ربما أفكار توحي لك في جوهرها السلام، ربما تهبك شيئاً ما من سكينة وهدوء رونق، وترى البساتين كما لم ترها من قبل، وتصغي لطير يغرد بما يشتهى من الغناء، ويحلق في السماء مشاكساً، ويخبو بين أوكار أغصان أشجار عالية، وتحل طيور باسطة أجنحتها، تلمس رذاذ الماء، وتلمس الناس قرباً، لا يشغلها الخوف، لا تخشى أن يمسها منهم ضرر، لا تحاذر وتقترب هامسة، تنقر فتاتها الضئيل، وقد حان من يحسدها عليه من الطير، فتخطف من طير آخر ما تستطيع، وتطير في فضائها الجميل.
ما يميز جنبات الحي معالمه، مثل الأحياء الدراسية، ما كادت الامتحانات تنتهي حتى ضج الحي فرحاً، حيث مهرجان لباس وقبعات التخرج، ودموع الخريجات تنهمر، تحتضن باقات الورد، وتقترب من بائعي أدوات المناسبات، الساحة تكتظ بالمصورين، لالتقاط صور للذكرى، خلفهم شعار الجامعة، تشغل المناسبة الحي من أطرافه إلى وسطه، ومن أجل أبنائهم تفد عائلات الطلبة، كباراً وصغاراً، آباء وأمهات، جاؤوا من بعيد، ومن قريب، ليحضروا ما تغمرهم به المناسبة من فرح، بعدها تبدأ لمسات الرحيل، التي تمحو الفرح وتلملم الحنين والحزن، ترى أعتاب أبواب البيوت، ما عاد يسكنها الطلبة، وخلت الشوارع والكافيهات من زوايا كانوا يشغلونها، وحان لهم المضي من الحي إلى ديارهم.
ليس حي «وست وود» وحده الذي تجمدت مساراته، فقد أطلت بدايات شهور الصيف على موعد قدوم السياح من مختلف أنحاء العالم، ليعيدوا نبض الشوارع ورتم الممرات، حيث يحلو لها استقبالهم في حدائقها ومحلاتها المترامية والبيوت الشاغرة التي تلامس صمت الشوارع وبهاء الأمكنة، وذروة تجاذب نسمات هوائية تعانق إطلالات جميلة ومساحات خضراء، منها حدائق أنشئت منذ عشرات الأعوام من أجل أن يحط الرحال بعض من الدارسين الطلبة، ومن المهتمين والمتخصصين بالزراعة ولم يكتفوا بذوي الاختصاص من الجامعة، فجلبوا لها أشجاراً متنوعة من أقطار عدة، أشجاراً محلية وأخرى من سائر قارات العالم حددت معالمها وتاريخها بشهادات منبعها وتاريخها المثبت على كل شجرة.
«وست وود» حي يميزه متعته وهدوء صباحه، الذي ينجلي برائحة قهوة إذا فجرها أطل تبدأ سويعات الوقت تنبض رويداً، يضج النهار ويخفت بكل شعلة حكاية لها، ببريقها تطرق أبواب البيوت، ونوافذها لها فتنة السحر المطل من محراب الجامعة حيث طقوس تجذب الحنين لأيام الدراسة.