كنت في مكتبي منهمكة في البحث عن جذور كلمة «صُوعَة»، فصرت أبحث عنها في أول المعاجم التي دونت اللهجة الإماراتية، ألا وهو «معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، الذي جمعه وأعده عميد مؤرخي تاريخنا الحديث الدكتور فالح حنظل في عام 1978. 
جادت الصدفة باتصالٍ منه فيقول «لدي بحثٌ مهم في مؤسستكم الموقرة وأود أن أراك لأهديك آخر إصداراتي»، قلت له «ما أبركها من ساعة.. يا مرحبا بك في أي وقت»، وكعادته ما أن رآني حتى رحب وهلل وكأني ضيفته والأمر عكس ذلك، وقال «مثل ما وعدتك.. جبت لك نسخة من آخر ما كتبت وهو كتاب عنوانه (أبراجُ الحكمة الثلاثة)، اقرئيه فرأيك يهمني!»، وسار يكتب بخطه الذي أميزه من كل خطوط البشر، إهداءً جعلت تلك الكلمات جزءاً لا يتجزأ من محتواه.
كتاب وصف فيه الأحداث والمشاهدات من وجهة نظرٍ شخصية، فالكتاب بحث تناول فيه الكاتب مراحل التأسيس والبناء التي قام بها المؤسس الباني المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فأدت إلى البنية السياسية والثقافية الصلبة المتينة، وإلى التطور الهائل الذي تشهده الدولة الآن. 
وفي سردٍ تفصيلي يركز الكتاب على الجوانب التاريخية ويعمل على تصحيح المغلوط من الافتراضات، ويحكي لنا كيف كانت الإمارات قبل اتحادها، لقد أسهم تنوع الطرح على تسهيل فهم القارئ بالحكمة والمعرفة وارتباطها بالفكر التنويري وجذور التسامح والتعايش الذي ننعم به اليوم، ويخص الاستراتيجيات المبدعة التي تقف وراء نهضة الإمارات، لاسيما من الجوانب الحضارية والثقافية والموروث المستدام. 
بين ثنايا الكتاب يجد القارئ نفسه متنقلاً بين الذين عاشوا وشهدوا مراحل التطور، وبين الواقع الذي شق طريقه عبر جهود القيادة ورؤيتها الرشيدة، ولا يغفل الكاتب في شموليته عن نقل صورة وتصور لخصهما في حواره لي بأن قال «أذكر أني عندما قطعت بطاقة الطائرة التي ستقلني من بيروت إلى أبوظبي وكانت طيارة ضخمة من طراز بوينج 727، تساءلت هل ستغرز في مدرج المطار؟، واليوم يا عائشة ينظر العالم عالياً في الفضاء ويصفق لا إلى إنجازات دولة الإمارات العربية المتحدة على الأرض فحسب، بل على ما حققته للعرب والحضارة العربية في الفضاء الكوني الشاسع الممتد.. من كان يتصور ذلك؟».
للعارفين أقول، عندما ينشغل بحب وطنك باحثٌ مخضرم يضع بين يديك خلاصة علمه ومعارفه وفكره بشجاعة وجسارة تعرف الربح وتنأى عن الخسارة، أقول «مرحب الساع» فلولا كتاباته التي استخدمناها كمراجعٍ لرسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه لما أصبحت هناك بحوث تُبنى عليها المعرفة الصادقة والصريحة ودراسات تعنى بعمق تاريخ الوطن وحضارته وثقافة شعبه. 
المحبة تخلق ولاء والوفاء يعزز المصداقية والانتماء، وعندما تتحد هذه العناصر في نوايا المرء وأعماله تكتمل رحلة التاريخ الإنساني.