مدن مصورة في تفاصيلها، منذ أزمان مضت تجلت فيها حيويتها ومجتمعاتها، تزهو بمكانتها المتفردة، ورؤى حاضرها المتجدد، فلا تمحو منها أشياء جميلة، مازالت تبصر الحياة في إيقاع متسارع، حراك مكتظ بالمقتبسات والصور، باقية عبر تحولها الزمني، مثل أسماء شوارع المسار الدولي، المعتاد من قدم السنوات، متوغل بين سائر مدن الولايات الأميركية، في ربط متعرج، آتٍ من بعيد المدن، راحل إلى أبعد منتهاها، مثال آخر لأيقونات الحياة، وهي سيارات البريد بلونها الأبيض الناصع، لم يمحُ طائرها المحلق من حاضر الأيام، ولم تسقط من الذاكرة البعيدة، تدشن وجودها المعتاد في سائر المدن، ترى ساعي البريد ما زال يخطف الأبصار، ويعلق في الأذهان، باقياً بمكمن في سريان الحياة وتدفقها المختلف.
مثال آخر لمدينة لوس أنجلوس، أحياء متعددة تختزل في وجودها من البشر أكثرهم، ممن رحلوا إليها، سمات مختلفة، وأقوام وأطياف من قارات متعددة، وحضارات إنسانية قديمة تدفقت من بلدانها وحضرت بماضيها لتخلق لأنفسها أحياء صغيرة مزجت فيها كل جميل، مزجت حياة الناس، وخطواتهم اليومية، لسرد حياتهم في طبيعة مختلفة الصور والأنساق.
بعيدة هي جغرافيا أميركا، في عزلة عن العالم، إلا أن إرادتها في آفاق أحلامها، طبيعة وجودية للبشر، في تحديات الحياة وسجالها الزمني، الخفي والظاهر، تدفقات بشرية هائلة لا تتأثر حضارتها المنفردة، بجموع ممن رحلوا إليها واستقروا. 
من الأحياء القديمة، هناك الحي الإيراني في لوس أنجلوس، حيث الوجوه الإيرانية لها مسحة من ترحال زمني قديم، تُرى محلات بطابعها الراحل معها، لوحات فنية جميلة، وورش للرسم، تعبر مخيلات صغارهم، فكل شيء يعكس ما تعبر عنه المكتبات القديمة ورفوف الكتب ذات الطابع الثقافي والاجتماعي.
تبدو أيضاً السينما الإيرانية القديمة، وتبرز وجوه الممثلين والممثلات، وصور الأفلام الشهيرة ذات الصيت فبعد خطوات قليلة، مشاهد في الحي، لكبار السن، أعمارهم ما بعد السبعينيات، يجلسون على المقاهي، وهم في سجال وحديث باللغة الفارسية، يمارسون لعبة الطاولة أو النرد.
زخارف الفن الإيراني تنعكس في السجاد، حيث تاريخ العمل اليدوي الفريد، ونسيجه الممتد في أرجاء المعمورة، فهذا الحي ينفرد عن الأحياء الأخرى في أرجاء المدينة مثال الحي الصيني والتايلاندي، كل حي تتجلى فيه فنونه المختلفة التي يعبر بها عن ثقافته.
على سبيل المثال حي فينيسيا، مكسيكي الهوى، ترى لوحات فنية، تعكس عالماً من السحر المكسيكي، ومعالم جميلة، ومقتنيات فضية، وقبعات لرعاة البقر، ومقتبسات من هذا التشكل الجغرافي، القريب من النسيج الأميركي ولكن بطابع منفرد.