من الأفلام الجميلة والممتعة والتي تعرض حالياً فيلم «A Quiet Place: Day One»، فكرة الفيلم رائعة كيف تتحول مدينة نيويورك الصاخبة والتي تتعدى درجة الضوضاء فيها أكثر من 90 ديسيبل، ولعل أكثركم يعرف المعدل الطبيعي لضوضاء المكان والذي يمكن أن يتحمله الإنسان، فجأة تصبح تلك المدينة الصاخبة إلى مدينة هامسة، فكل حركة وكل صوت أو قرقعة أو خطوات المشي، إذا لم تكن تختلاً، استدعت ذاك المخلوق الذي يبطش بسكانها، الفيلم بدايته لا توحي بمكنون قصته، حيث تبدأ في مستشفى لرعاية مرضى السرطان، ومن خلال امرأة شاعرة وابنة عازف بيانو، ولا حديث أبداً عن أمها، فقط الأب حاضر في ذاكرتها، هذه الفتاة السمراء مصابة بنوع من السرطان، ويائسة من الحياة، وناقمة على الأشياء، وجلفة مع الناس، وأثناء قضاء يوم في نيويورك، تنقلب الأمور، ويهاجم المدينة مخلوقات، ربما تكون فضائية، لأنها تخشى الماء، ولا تعرف السباحة، وهنا كان أمل الحياة والخروج من المدينة في سفن، فنياً الفيلم عالٍ جداً، وتمثيل بطلته فيه كثير من الصدق والروعة، والمخرج اهتمّ بكل التفاصيل الفنية الأخرى، نهاية الفيلم مذهلة، حيث أنقذت قطتها وفتى بريطانياً كان يدرس القانون في نيويورك، لكنه قرر ألا يموت، ويرجع لمدينته «كنت»، وأن يعتني بتفاصيل الفتاة، مثل المخاطرة بجلب الدواء لها، وسعيه لصنع «بيتزا» كانت تتمناها، واصطحابها إلى المقهى الذي كان يعزف فيه أبوها، وتفاصيل شاعرية ولحظات إنسانية صادقة بين الفتاة والطالب البريطاني والقطة، فقامت بتحطيم نوافذ السيارة وإشعال أجهزة الإنذار فيها، وإصدار ضجيج جعل تلك المخلوقات تخرج من مكامنها، منجذبة نحو الضجيج، الأمر الذي سهل للفتى والقطة الوصول للمركب في البحر، وحين اطمأنت عليهما، قررت أن تتخلص من سماعات الأذن وهي منسجمة مع الموسيقى والغناء، لتسمع الكائنات الخرافية، ولتسمح لها بأن تخلص جسدها من كل الآلام!
الفيلم هو سلسلة من الأفلام أنتجت عبر سنوات منذ 2018، ولكن القصة ليست مترابطة، ولا صلة للفيلم الأول بالأخير، لا تمثيلاً ولا إخراجاً، سوى ذاك الخيط الرفيع الذي يشكل محور القصة أن ما يصنعه الإنسان من ضجيج في حياته وحياة المدن سيرتد عليه، وربما قضى عليه وأفناه، بطلة الفيلم الأخير هي «Lupita Nyong’o» ابنة سياسي كيني، كان يدرّس في المكسيك حيث ولدت، وهي خريجة جامعة «Yale» نفس الجامعة التي تخرج منها المخرج «Michael Sarnoski»، الفيلم بلغت ميزانية إنتاجه «67» مليون دولار، وحقق إيرادات منذ بدء عرضه قبل أسابيع «179» مليون دولار.
أحياناً تدهشك السينما بحيث لا يمكن أن تخرج من الفيلم مثلما دخلت، هناك الكثير من الأسئلة، والكثير من الإعجاب وكثير من الضجيج في الرأس.