عندما وصلني خبر تفوق ابن إحدى الصديقات، فرحت من خاطري وذهبت إلى منزلها دون سابق إنذار، ما أن أقبلت لتحيتي، قلت لها: «تباركتم بنجاح البطل، ما شاء الله والحمد لله، والله لا يضيع تعبك مع عيالك ولا يخذلك فيهم»، وبعد الملاطفات وتناول الحلوى والبثيثة والخبيصة، شربنا القهوة وتهايلت علينا المآكل والمشارب كل ساعة تخطف وحدة يايبة صينية حلاوة وورد، ابتسمت صديقتي وقالت لي: «دكتورة، درجات ولدي بالضبط مثل درجاتك في الثانوية»، وبدأ صراع الكلمات معها.
يا سادة يا كرام، درجاتي في الثانوية العامة لا تؤهلني للالتحاق بجامعة ميكي ماوس، وعقب هذه المزحة قلت لها: «زين بس على الأقل ما ايلس جدام وارفع صبعي في ويه المعلمة، عيب»..!.
ارتفع مؤشر ضبط النفس في الغرفة فجلبت صديقتي ألبومات صور قديمة وبدأنا نقلبها معاً، نتبادل الذكريات ونتجادل حول من في الصور، هي تقول «هذه فلانة» وأنا أقول «لا، هذه علانة»، بقينا على هذا الحال حتى أذّن المغرب، بعد الصلاة، دخلنا في مزاج الضحك واستعدنا ذكريات زمن السكيك وبعض المواقف التي تؤلم البطن من شدة الضحك، في خضم السعادة والسرور، قلنا بصوتٍ واحد: «اللهم اجعله خير».
هربت من منزل صديقتي لأنني لو جلست لخمس دقائق أخرى، لحطمت جميع قواعد الالتزام بالحمية والرزانة، في البيت، تذكرت الدويرة الحمراء التي تزين شهادة الثانوية وكيف أن جميع صديقاتي الناجحات يتذكرنها، لكنهن لا يذكرن أنني اجتزت الدور الثاني ونجحت، كيف تخونهن الذاكرة هكذا، بينما أتذكر كل شيء جميل وإيجابي عنهن وأتصرف بعفوية وتلقائية معهن في جميع المناسبات؟، شعرت بما قاله ليو تولستوي عن الخيانة: «إن من يخونوك كأنهم قطعوا ذراعيك، تستطيع مسامحتهم لكن لا تستطيع عناقهم»، وبالرغم من ذلك، ابتسمت فنحن بنات جيل لا يعرف إلا الجمال في كل شيء.
للعارفين أقول، من يعرف قلبي جيداً يدرك مدى محبتي وإخلاصي وصدقي وتفاني وتضحياتي لمن في دائرة حياتي العملية والخاصة، ومن لا يعرف قلبي جيداً، أدعو الله أن يسعده ويبعده.