كلنا نقرأ ونسمع ونسافر لنتعلم ونكتشف، لنُوظِّف تلك المعرفة ضمن حصيلة تجاربنا، في إحدى المحاضرات، جلست بجانب سيدة رفعت يدها عندما فُسِح المجال للسؤال ومناقشة المُحاضر، وقفت بكل ثبات، فرحب بها منسق الجلسة وطلب منها تعريف نفسها، بدأت بالتعريف قائلة «أنا أديبة وفنانة تشكيلية ورسامة وباحثة ومعلمة وملهمة»، فتحول السؤال إلى سيرة ذاتية وسرد شفاهي لمحتوى الغرور المكنون.. استوقفتني تلك اللحظة، لماذا كل هذا النفخ في الذات، أليس من الأفضل أن نترك أعمالنا تتحدث عنّا؟! المعروف لا يُعرَّف، بل يُعرف بجهوده وهالة المجد التي تنبع منه ويعرف الجميع صداه وصداها.
إن هذا الموقف يعيدنا إلى أهمية التواضع في حياتنا، التواضع ليس فقط في التعريف بالنفس، بل في التعامل مع الآخرين ومع الإنجازات الشخصية، نحن نتعلم ونسعى لتطوير أنفسنا ولكن بدون مبالغة أو تزيين للحقائق، الحقيقة البسيطة، المجرَّدة، تكفي لتصنع لنا مكانة محترمة بين الناس.
من المهم أن ندرك أن الصراحة والتواضع هما جوهر العلاقات الإنسانية السليمة، أما الغرور وتزوير الذات فيبعثان برسائل سلبية إلى الآخرين، ويخلقان جواً من الريبة وعدم الثقة، لا يحتاج الشخص إلى تزيين صورته بالألقاب والإنجازات المبهرة، الجهود الحقيقية تتحدث عن نفسها، وتصل إلى الناس بدون أي وساطة أو تضخيم.
بداية الحكاية ليست في الألقاب والإنجازات التي نذكرها عن أنفسنا، بل في التواضع والأثر الذي نتركه في قلوب الناس وفي حياتهم، لنكن صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، لأن الصراحة هي السبيل الوحيد لبناء علاقات إنسانية متينة ومستدامة.
للعارفين أقول: صوموا عن الغرور وتزوير الذات، اعملوا بصمت، واتركوا أثراً يُلهم الآخرين، الأثر الذي نتركه لا يحتاج إلى تلميع أو تزيين، بل يظهر بقيمته الحقيقية عندما يكون نابعاً من جهد حقيقي وإخلاص، التواضع في التعريف بالنفس وفي التعامل مع الآخرين يعكس ثقة عميقة بالنفس، ويُظهر الشخص على حقيقته: إنسان يسعى بكل تواضع لبناء مكانة حقيقية بين الناس، دون مبالغة أو تضليل.