في رحلة إلى مرحلة المراهقة، رغبت في جذب مشاعرٍ كانت تعبر عن الوقت والقلب في آنٍ واحد، هي رائحة السفن الراسية وتلك المبحرة والمتنقلة من برٍ إلى آخر عبر خور دبي. قارب الزمن تهادى فوضعت في أذني سماعة تعزلني عن العالم وتختزنني في بوتقة التاريخ.. قصيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ترددت أبياتها في ذهني، فكنت أسبق المغني لأبياتها في قفزاتي إلى الكوبليهات وأبيات الشعر قبل أن يتغنى بها المطرب. 
استوقفني شطر يقول فيه «بي واحد يحسب له حساب.. ماهوب من ضول اليهاما.. ما ينوصل دونه مية باب.. ومغلق مب في المساما.. ومن فوقهن الفين حَجَاب.. وجبال تشبه ع التهاما.. واسباع فيهن تلحق الناب.. وجتام طشطاش وظلاما»، قلت في خاطري: «ياربي ما هذا الإبداع والتركيز والسجع والكناية وتوثيق اللهجة ومفرداتها.. فإن أجمل ما في لهجتنا هي تعابيرنا الخاصة ومعانقتها للغة الأم»، ودعوني أخبركم عن اكتشافاتي من قاموس لسان العرب، فكلمة طشاش مشتقة من «الطَّشُّ أي الْمَطَرِ: فَوْقَ الرِّكِّ، وَدُونَ الْقِطْقِطِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمَطَرِ الرَّشُّ ثُمَّ الطَّشُّ، وَمَطَرٌ طَشٌّ وَطَشِيشٌ: قَلِيلٌ، وَقَالَ رُؤْبَةُ: أَيْ بِالنَّيْلِ الْقَلِيلِ.. فَالطَّشُّ وَالطَّشِيشُ: الْمَطَرُ الضَّعِيفُ، وَهُوَ فَوْقَ الرَّذَاذِ. قَالَ: وَأَرْضٌ مَطْشُوشَةٌ، وَمَطْلُولَةٌ، وَمِنَ الرَّذَاذِ مَرْذُوذَةٌ».
ومن القليل جاءت كلمة «طشونة» التي لا نستغني عن استخدامها في حواراتنا في عنصر لغوي مهم في لهجتنا، وقد يقول البعض طشة كالمثال القائل «لا هَشِّة ولا بَشِّة ولا من المعاني طِشِّة»، وهو مثل يقال في الشخص عديم الفائدة الذي لا يمكن الاعتماد عليه، فهو لا يهش وبحسب المعجم فإن الرجل الذي يهش هو الذي يكون مبتسماً مرتاحاً ومنشرح الصدر كقولهم عند إكرام الضيف «هش به أو له» وكلمة بشة تعني اللطف الذي يبدو على وجه الإنسان وتكون من صفاته البشاشة فينعت بالبشوش لطلاقة وجهه، لاسيما عندما يستقبل ضيوفه بكل حفاوة وتقدير وهو باش ومستأنس.
للعارفين أقول، حافظوا على اللهجة الأم وأمها اللغة العربية طشة زيادة.. التي يجب أن لا تنفصل عن الذاكرة والزمن والثقافة، علينا الترابط الأسري فلأمي نصيب الأسد من مفرداتي وارتباطي بثقافة أهلي وناسي وأخلاقياتهم وممارساتهم التي «تمزر» يومنا بالتفاصيل ومحبة الماضي والحاضر الذي نحرص على نقل تفاصيلهما للمستقبل. كلمة «تمزر» هذه تأتي بنفس استخدامنا لها، إذ يقول عنها لسان العرب كقولهم «مَزَرَ السقاءَ مَزْراً: مَلأَه، ومَزَّرَ قِرْبَتَه تَمْزِيراً ملأَها فلَم يتْرُكْ فيها أَمْتاً»، من كانت لديه دولة كدولتنا عليه أن يحرص على حفظ تاريخها ولهجتها وهويتها ومكتسباتها، لاسيما لهجتها التي تعبر عن تأصيل للامتداد الحضاري الإنساني، ومكملة له، والباقي عندكم...