عند صخرة الحكمة
بعد يومين في العاصمة سيؤول قضيتهما في استكشاف المدينة وفي تعلم طقوس إعداد الشاي، أراد رفيقي المترجم الكوري أن نذهب إلى أولسان وهي إحدى المدن الكورية التي تقع في جنوب شرق البلاد على ضفاف بحر اليابان قريبا من مدينة بوسان الشهيرة، لم يكن هناك هدف محدد للزيارة سوى أنه نوع من الاستكشاف، فهو الدليل والمترجم ورفيق السفر، وهو يرى أن هناك موقعا مهما لابد أن أزوره في تلك الأنحاء.
الطريق البري مرة أخرى، في سيارة صغيرة يقودها الرفيق المترجم، المناظر الطبيعية تجعل الطريق مسلياً غير أنك ما تلبث أن تشعر بالملل لطول الرحلة ورتابتها، فيقرر السائق النزول في استراحة جانبية، لتناول الطعام الشعبي جدا.
بضعة ساعات في الطريق أوصلتنا إلى قمة جبل يدعى بيسوسان حيث شيد معبد أعتقد أن اسمه يوجاسا يعود إلى عام 827 قبل الميلاد، وتدور حوله الأساطير والحكايات الشعبية المتداولة عبر التاريخ، تتوقف السيارة في منتصف الطريق إليه في أعلى الجبل وعلينا إكمال الصعود سيرا على الأقدام في طريق متعرج تحفه الصخور، وفي ذلك نوع من الكفاح من أجل الحصول على العلم والمعرفة، فالرهبان يفعلون أكثر من ذلك فعليهم الاعتكاف في هذا المعبد والصوم لمدة أربعين يوما لا يتناولون خلالها شيئا سوى الماء، لكن ذلك يجعلهم يصلون إلى مرحلة “التنوير” وهي أسمى المراحل التي يمكن أن يصل إليها البشر.
في الأعلى حيث يقبع المعبد المغلق في هذا الوقت من العام إلا ربما للرهبان الذين يحجون إليه للتعبد في سكون وهدوء وصفاء المكان، خصوصا أنه يتكون من عدة قمم متعددة الأشكال وتحيط به الهضاب والصخور الجبلية بشكل رائع تجعله يبدو كلوحة زيتية لأحد فناني عصر النهضة، تصعد قليلا إلى الأعلى حيث يقع دير آخر يقال إن خلفه تقع صخرة يعتقد أن الحكمة أنزلت من السماء على الكاهن دوسينج جوكسا وهو جالس عليها، ولو فكر هؤلاء قليلا لوجدوا أن الحكمة إذا في السماء.
شكرت الله على نعمة الإسلام وعلى العقل، ونزلنا باتجاه المدينة التي تجولنا بها قليلا ثم انطلقنا نحو العاصمة.
عدنا ليلا منهكين، أنزلني أمام الفندق وعاد إلى قريته، وبقيت وحيدا مرة أخرى.
في بهو الفندق ثمة احتفال وهناك مدعوون، تمخترت أمامي فتاتان بفستاني سهرة، توقفت إحداهما، التفتت نحوي، ابتسمت، اعتقدت أنها تعرفني، اتجهت نحوي، تأهبت للحديث وقد رسمت ابتسامة على وجهي، شعرت بنوع من السعادة، بددها شاب خرج من خلفي، احتضنها واختفيا في الظلام.
rahaluae@gmail.com