يستطيع الفنان التشكيلي أن يكون متصلا مع البيئة وفي نفس الوقت متصلا مع الخيال، ليخلق بذلك عنصر الدهشة لدى المشاهد؛ لكن هو فعلا يكون قد ربط خيطا من الواقع بعالم الأحلام، ومن خلال حلم اليقظة يتصور المستقبل، يكسر حواجز الجمود العقلي لدى الإنسان المعاصر الذي أنهكته الآلة لحد الموت. الحلم الذي يعيشه الفنان أثناء اليقظة، تعبير عميق عما هو مخزون داخل العقول البشرية، ورسالة صريحة يطرحها الفنان أمام الجمهور، فمن خلال ثقافته وإدراكاته يتصور الحلم وهو فاتح عينيه، حيث نجد أن لحظة الحلم التي يعيشها الفنان أثناء اليقظة تخلق المستقبل، بل تلتهم الحجج الوهمية من أجل مستقبل مادي بحت. لم يخرج الفنان من الوسط المحيط، بل وسع من مفرداته ولغته، لنسج الواقع بخيوط انتزعها من داخل الإنسانية، لتكمل تلك الخيوط البناء الذي تنسجه خيوط الماضي من أجل المستقبل. اليقظة تفرض دائما وجودها الفعلي في المجتمع، لكن الحلم ينتهك حرمة اليقظة بأن يفصل الفنان عن الواقع، ثم يعود الفنان مرة أخرى لليقظة ليترجم مفردات الحلم بصيغة مباشرة، ودون رسم النقوش على تلك الكلمات الصارمة، بل يكتفي بالنقاط. بعد الحلم تبدأ مرحلة التحول، أي تحول الخيال إلى الفعل الذي يصيغة الفنان عبر الآلة، الجسد أو حتى الضوء، وطريقة الطرح ليس الهدف الذي يسعى إليه الفنان، بل إنه يسعى نحو اليقظة التي سلبها الحلم منه، وللخروج عليه دفع تذكرة للدماغ تفيد بأن الآخر استقبل الرسالة التي يطرحها الفكر عبر الحلم، ولا يكون ذلك إلا عبر إخراج يخلقه الفنان للوصول إلى الحيز الوجودي الحسي والبصري للآخر. عملية الطرح تتطلب عنصر الذكاء بعد الخيال، أي الصور المتكونة في أقل من ثانية من قبل الدماغ، يلتقطها الداخل بشكل سريع وتسلسل زمني معين ومن ثم يخرجها إلى الخارج. عملية الحلم أثناء اليقظة، لا تعرقل الإنتاج بل تدعم الفكرة وتقويها، فوعينا لا ينفصل بل يحاكي الحلم، مما يخلق تشويشا مؤقتا لدى الفنان، يفجر من خلالها طاقاته الكامنة. هدى سعيد سيف science_97@yahoo.com