بعد شراء ما يلزم من أغراض الطعام والشراب، تلتفت سيدة الحسن والدلال إلى الصالة في البيت، وكذلك المجلس، وهنا يسخن الحوار، وتحتشد جميع المشاعر، لتأليب الصغار والكبار من الأبناء، ليكونوا عوناً لها، لإرضاخ ذلك المعتزل، الرهيب، والذي يعاني ما يعاني من صفعات الزمن، وعواصفه، وأعاصيره، وأمطاره الحمضية، هو يستمع فقط، وينصت باهتمام بالغ، وينظر إلى اللا شيء، ثم يلتفت ناحية الزوجة، والتي تكون في حالة وجدانية نشطة، ومشاعر منفتحة على الوجود، وعيون يشع منها بريق النجوم، ومحيا يلمع على صفحته بهجة الشهر الكريم، لأنه الشهر الأكثر قدرة على توفير الوقت للسيدة المصون، وترتيب مواعيدها مع المحال التجارية، والمبررات كثيرة بعدد حبات التراب التي تدوس عليها الأقدام اللدنة، ولذلك لا يوجد معرقل للسيدة، يوقف شغفها في الشراء، وتنظيم أثاث مشاعرها قبل ترتيب أثاث البيت، والمسكين طوع اليدين، ورهن الإشارة، لأنه محاصر بعيون الصغار مدعومة بالعينين الحاسمتين، ولا بد أن في النفس ما يرثى له، ولكن من الذي يستطيع منع المطر عن السقوط على الأوراق في بر عار من السقوف السميكة.
لذلك لا يجد هذا الكائن المثلوب سوى أنه يخضع للأمر الواقع، ولا بد له أنه سيجد واقعاً مماثلاً في هذا البيت المجاور، والبيت الأبعد، وهل يستطيع المرء أن يقول لا؟ فهذه معضلة وجودية اليوم، تواجهها الأسر كافة، هذه عقبة كأداء تحد من حرية الاختيار.
والشيء الذي كان في الماضي خرافة، أصبح اليوم حقيقة، ويا بخت البنوك التي تقدم عروضاً، وإغراءات يسيل لها لعاب الرجال قبل النساء، وفي نهاية الأمر، لا بد من الخضوع ولا بد من القروض، لأن المطالب سقفها أعلى بكثير من واقع الحال، وهذا أمر طبيعي، لأن في كل رمضان، يصبح تقليب القديم رأساً على عقب، ويصبح رمي أثاث ومحتويات (المجلس والصالة) مسألة مفروغ منها، ولا تحتاج إلى نقاش، لأنه كما تدعي سيدات الحسن العالم ذاهب للحداثة، والتحديث يبدأ من البيت ثم فناء البيت، ثم كل ما يطرأ على البال، وكل ما يشغل القلب، نساء اليوم ليس لديهن من الوقت ليضيعنه في حوارات بلهاء لا تخدم قضيتهن، والوقوع كالسيف، ولا بد التخلص من السيف، والبقاء على غمده لأنه يكمن فيه السر، سر الحفاظ على الكينونة البشرية، وتقديم كل ما هو أحسن من أساليب مقنعة.
وبهذا تتم العملية بنجاح ولا داعي للتريث، فلتجتمع أكثر من سيدة، في رفقة خير من أجل تنفيذ مشروع إحداهن ليليه مشروع الثانية والثالثة، وهكذا لا يأتي العيد إلا وقد تمت الرغبات، ولكن السؤال الآن، أين الضيوف الذين سيحلون كراماً، وينعمون بالزرابي المبثوثة، واللؤلؤ المنثور.
فقط ما يحدث أن ما تم الإنفاق عليه يظل فقط للعرض وغير قابل للمساس.