في صباح العيد، تبدو الأزقة موعودة بالفرح، مكسوة بزقزقة العصافير، وهي ترفل بالأبيض الناصع، وهو اليوم الذي يتفرد بملبس جلباب الهناء بعد مقاطعة لمدة شهور، لأن الدشداشة البيضاء زائر سنوي عند الغالبية العظمى من الأطفال، لأنها في الحقيقة تبعث على التشاؤم لدى الأمهات والآباء، لأن مثل هذه القماشة سريعة التلف، وتتلقى غبار الأزقة الرملية بترحاب وسعة صدر، وهذا ما يكلّف أولياء الأمور، ويرهق الميزانيات، وهي الضعيفة في أغلب الأحوال، والمنهكة، أثر الظروف الاقتصادية لذاك الزمن.
الأمر الذي يجعل لارتداء هذه القماشة الناصعة مولد فرح مهرجان عالمي يقيمه الصغار بينهم وبين أنفسهم، وبينهم وبين أصدقائهم، والحالة تتكرر في الأعياد، وتكبر مع كبر العمر، وتصبح عامرة في العقل الباطن، فاليوم عندما نتذكر تلك الصورة التراجيدية الملونة بدمعة تستقر في المحجر، ولا تسقط، ولكنها تحرق، المقلة والجفنين، اليوم عندما يتذكر أغلب جيلنا ذلك المشهد الشبه جنائزي رغم الفرح، وزغة الصفاء، ورغم الفضاء الشاسع للأحلام، إلا أن الحزن القديم يظل يرسم صورة قاتمة إلى حد ما، ولا ينقشع لونها لأنها لذيذة، ولأنها تركت عمداً في العقل الباطن لتكون علامة بارزة على زمن الجمال، والرونق الزاهي رغم التعب، ورغم السغب، واليوم عندما نتذكر، ونستذكر، ونذكر من جاؤوا بعدنا بعقود نشعر بأننا نرتكب إثماً عندما نستفز مشاعرهم الطرية، لأنها لا تتحمل مثل هذه الأوزار ولا يمكن تتصور مثل هذه الصور، وهم اليوم وبحمد الله ينعمون بخير الدولة التي أنعمت على القريب، والبعيد، وأصبحت في العالم أنشودة خلود، أصبحت أغنية كونية يرددها كل لسان.
ذلك زمن جميل في أسوأ ظروفه، ورائع في أحلك مشاهده، ونبيل في أصعب أحواله، وعندما نتحدث مع الأبناء، والأحفاد عن ذلك الزمن، وإنما فقط للتذكير لأن الذكرى تنفع من يريد أن يستفيد، ومن يحب أن ينقش ذاكرته بأحلام لا تتجاوز الواقع، بل هي من صنع الواقع، وعلى أثرها يتتبع خطا الزمن، ويقول لنفسه (إذا كنتم في نعمة فداروها)، وهذا واجب إنساني، ووطني، تفرضه علينا مشاعرنا المتعلقة بحب وطننا الغالي وما تقدمه حكومتنا، يستوجب الحفاظ عليه، والشكر عليه.
في ذلك الزمان كان العيد مسرحاً للإحساس بوجود الإنسان حياً يرزق على الأرض، عندما يخرج الطفل من بيته، وفي عينيه ترتسم صورة الجمال لملبس يضم جسده الصغير، هذا في حد ذاته، كان يجعل للعيد أهمية، وفرحة بالغة ولهذا السبب، فإن أطفال اليوم لا يلمسون هذه الفرحة، بل إنها لا تنشز أرواحهم، لأنهم يعيشون بلا أحلام، وهي مشكلة، الحلم هو وحده الذي يدفع الإنسان بأن يبحث عن ذاته من خلال مطلب معين، حتى وإن كان بسيطاً، زهيداً، اليوم نحن بحاجة لأن نعلم أطفالنا كيف يحلمون، وحتى يحلم الإنسان لا بد أن يشعر بأهمية الأشياء من حوله، وللأسف اليوم لا توجد أهمية للأشياء لأنها تفيض عن الحاجة وهذه معضلة اجتماعية يساهم في تضاعفها أولياء الأمور فهم الذين يعتقدون أن الفرحة لا تتم لأبنائهم إلا إذا بذروا، وأسرفوا، ورموا كل ما يشترونه بأغلى الأثمان.