دائماً ما يؤشر رأس الإبرة الممغنطة في البوصلة إلى منطقة الشمال، وذلك بسبب المجال المغناطيسي للأرض الذي يتركز ناحية القطب الشمالي، وبمجرد معرفة هذا الاتجاه ستتمكن بسهولة من تحديد باقي الاتجاهات بلا تردد، من الخلف سيكون الجنوب وعلى يمينك الشرق وعلى يسارك الغرب، وبالتالي باقي الاتجاهات الفرعية كالشمال الشرقي والجنوب الغربي وهكذا.. ومثلها تماماً عندما تعرف قيمك ومبادئك التي قررت أنك ستعيش بها في حياتك، وقتها تصبح الحياة أكثر وضوحاً وقراراتك فيها أكثر سهولة بلا تخبط وبالتالي أكثر سلاماً مع النفس.
يتحقق السلام مع النفس عندما تتوافق القيم التي تؤمن بها (وتعلن عنها) مع الطريقة التي تعيش بها، وهذا يعني تصالحاً مع الذات، فقيمك يجب أن تتسق مع قراراتك وممارساتك اليومية، وهذا يتوافق مع الصورة التي تقدم بها نفسك للآخرين، ويؤدي الخلل في هذه المنظومة إلى غياب السلام الداخلي وظهور توابع ذلك من قلق وتوتر وعدم رضا وظهور مشاعر مؤذية كالشعور بالذنب والندم والضياع!
وفي عودة للبوصلة، فإن اتجاه الشمال نقطة ارتكاز ووجهة واضحة لتحديد طريقك مهما كانت التحديات والضغوطات التي يمكن أن تواجهها في مسيرتك الحياتية، فبسببها لن ترتبك خطواتك وتضِّيع الطريق، وكذلك وجود القيم ووضوحها يحميان من التأرجح بين تناقضات الحياة المثيرة والمعقدة، وسيخلقان حالة توازن داخلي ستوفر إطاراً لاتخاذ القرارات، ومرجعاً ثابتاً للتعامل مع التحديات بسرعة ووضوح.
الكثير من قراراتنا نتخذها بدافع الرغبة في إرضاء الآخرين والخوف من خسارتهم، ولكن الثمن المقابل لهذا مكلف، وهي تكلفة مؤلمة جداً، غير أن الألم الناتج عن عدم راحة الآخرين وتوافقهم مع قراراتنا أقل وطأة بكثير من ذلك الألم المترتب على عدم راحتنا من قراراتنا التي لا تتوافق مع قيمنا، فالبوصلة لا تخبرنا بالطريق الأسهل، لكنها ترشدنا للطريق الصحيح، وكذلك القيم لا تعدنا بالراحة، لكنها تضمن سلاماً مع النفس.. لا يقدر بثمن.