كنت في أحد المجالس خلال أيام عيد الفطر المبارك، لتبادل التهاني بالمناسبة السعيدة، عندما لفت انتباه الحضور ما كانت تقوم به طفلة صغيرة لم تتجاوز الثلاث سنوات، وهي تصرّ على أن يقدم لها جدها هاتفه الذكي لتتصفح الألعاب والمقاطع المصورة. وكانت تبدو في غاية الهدوء والتركيز مع ما يعرضه الجهاز السحري، بينما كان الجد سعيداً للغاية بأنها انشغلت عنه ليتفرغ للترحيب بضيوفه وتقديم واجب الضيافة لهم والاهتمام بهم.
مشهد يتكرر يومياً في كل بيت تقريباً، والناس منقسمون حوله وحول تأثيراته، وآخرون ينظرون إليه بكثير من اللامبالاة، معتبرين إياه مجرد تسلية وإشغال للصغار. ولكن الموضوع أكبر بكثير من ذلك، والدليل على ذلك هو سلسلة البرامج والتحذيرات التي تطلقها الدوائر الصحية والعلمية حول التداعيات والتأثيرات العميقة لهذه الأجهزة على الجميع، وبالأخص الأطفال وصغار السن والشباب.
وفي كل مناسبة تتعلق بالطفولة، تعلن العديد من الجهات المختصة مثل الاتحاد النسائي العام، والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وكذلك المراكز الطبية وفي مقدمتها المركز الوطني للتأهيل، ودوائر الصحة، عن مبادرات عدة بهذا الشأن، وكذلك مركز أبوظبي للخلايا الجذعية الذي كان في مقدمة الجهات الصحية، والذي لم يكتفِ بدق ناقوس الخطر، بل أطلق برنامجاً لتخليص الأطفال من إدمان الأجهزة الإلكترونية بهدف تحقيق «وقت شاشة أقل ولعب أكثر لطفل صحي أكثر».
يقول أحد خبراء المركز: «في كل مرة يجلس طفل أمام شاشة، يرتفع منسوب الدوبامين، أو هرمون السعادة، في دمه، وهذا يرفع بدوره منسوب الحاجة إلى جلوس إضافي أمام الشاشات للحصول على الشعور بالسعادة أكثر فأكثر، فيدخل الطفل في دوامة يصعب عليه الخروج منها». مضيفاً: «وفي المنطقة الرمادية بالدماغ، حيث مركز إدارة المشاعر والقدرة على التركيز والتفكير النقدي والتحليل، تتركز المشكلات المرتبطة بالإدمان على الشاشات لدى الأطفال، وهذا يؤدي إلى شيوع هذا النوع من المشكلات بينهم».
وقد أكد أن «الحاجة المجتمعية الملحة إلى تدارك هذا الخطر دفعت إلى إطلاق برنامج مكافحة الإدمان على الشاشات»، مشيراً إلى «خطورة الوضع الحالي حيث تفتح حسابات خاصة للأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي وهم لا يدركون حجم الضرر الذي يمكن التعرض له من تنمّر رقمي وتحريض، مما يسهم في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بينهم بسبب تعليقات يبديها الآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي، والأمور تتجه نحو الأسوأ إن لم نتدخل».
والواقع أننا جميعاً معنيون بالعمل سوياً للحد من صور ومخاطر الإدمان الإلكتروني الذي اقتحم بيوتنا وفرض على الأسرة نوعاً من العزلة، يختلي فيها كل فرد منها بجهازه النقال بدلاً من الجلسة العائلية المعتادة.