في مجتمع المعرفة، تبدو الحياة مثل فراشة تتقصى جذور العطر، في وريقات أرق من نسيم يداعب خصلات على جبين ووجنة. 
في مجتمع المعرفة، تبدو المعرفة شعاعاً من نور يحتفي ببياض الموجة عند خاصرة البحر، تبدو المعرفة أنامل تحوس في جغرافية جسد ملؤه معالم تاريخية، رسخت جذورها في الزمن، وفي ثنايا الوجد البشري.
اليوم ونحن نعيش بهجة الكتاب، نشعر بأن الغيمة السخية قد مرت من هنا، وأن المطر يمد بلله إلى حيث تكمن تطلعات الإنسان إلى سلام الروح، وطمأنينة القلب، وبهجة العقل، والنفس الرضية تعيش في هدأة الليل، ورغد النهار، والعالم بكل أحلامه يسكن هنا في العاصمة الجميلة، ورسائل الشوق تنبعث من ضمائر العشاق الذين جاؤوا ليحشدوا جلال مشاعر بين دفتي كتاب يعانق فلسفة الحياة، وما تبديه وما تسرده من حكايا، أصبحت اليوم شيئاً من ضرورة الوجود، وأشياءً في أعماق الإنسان. 
اليوم ونحن نقرأ ونسمع، نشم رائحة الحبر في ثنيات ثيابنا، وبين أضلعنا، ونشعر بأن الحلم لا يفصح عن مكنونه، إلا إذا نمت في العروق كريات دم من صنع كلمات تعانق السماء، وهكذا تتسرب إلينا معلومات عن الوجود، وعن الإنسان، وعن الوعي بأهمية أن يكون الوجود كلمة طيبة جذرها في الأرض، وفرعها في السماء، وما بينهما سؤال الوجود الأهم، لماذا نقرأ؟ فتجيب حسناء اسمها رواية، إننا نقرأ لكي تتحسن عافية الفكرة، ومنها تتألق الحضارة البشرية، وتسمق علاقة الإنسان بالإنسان، وتختفي الحدود الثقافية، وتنفتح نوافذ الحب، ويصبح العالم في مأمن من تضخم الأنا، يصبح بعافية تتيح له صناعة غد من دون خدوش أو نعوش، واليوم تتبوأ العاصمة أبوظبي هذه المنصة الكتابية بجدارة وقوة، وبطاقة تتجاوز حدود المكان، وتلامس المكان بحروف كأنها القطرات على وريقات الروح، تنعشها وتفشي أسرار العشق بين الماء والتراب، وبين الأنوثة وجمال العينين، وبين الحلم والرموش، كل ذلك يضع مجساته في صدورنا، ونحن نصافح الكتاب، ونكحل العيون بالحبر، ونعطر القلوب برائحة الكلمة المفعمة بعبق المعاني، والدلالة. 
في صباح المعرض، في إشراقته، هطلت أشعة الكلمات من علٍ، وأشاعت سرّاً في داخلي، شعرت أنني أولد فجأة، وترميني الغيمة على سفح ساخن، أشعر باحتراق عمر، وميلاد عمر، أنظر إلى الوجوه، فأرى ابتسامة تشبه لألأة النجمة، وأسمع همساً يشبه ترنيمة الموجة، فأبارك للعشاق يوم لقائهم، ويوم فرحتهم، ويوم حضورهم مع خير جليس في زمانهم. أبارك للكتاب لحلوله على أرض تباركت دوماً بأفكار الناس الطيبين، بعد أربعين عاماً من الجلوس في محراب ذات الجلالة، والحرف المبجل، أشعر أنني بحاجة إلى عمر نوح كي أفي بما تحتاج إليه نفسي كلمات تملأ جعبة الكون وتجعلني نقطة عند آخر سطر في سرد يفصح عن سرٍّ وسبرٍ لهذا الوجود. بعد أربعين عاماً من العناق الشهي مع الكلمة أشعر أن للكلمة سحر البهجة، كما أن لها خرافة البقاء.
بعد أربعين عاماً من النقش على قماشة الألم اللذيذ، أشعر بأن للكلمة لون الحياة، وذائقتها وحلمها، ولذتها، أشعر بأن الكلمة ضد الموت، ضد التقاعس، ضد البؤس.