تدخل السوق، وربما تقف عند بوابة زجاجية لها فم شاسع كأنها المحيط، وتنظر إلى الملأ الخارجين والداخلين وهم في حشر، ونشر، حيث المحل العملاق يفترش بضائعه مثل نشارة خشب تنتشر على مساحات واسعة، و«العالم» يصولون، ويجولون، ويتخبطون، و«يتخاطفون» السلع المعروضة، سواء على البُسط الخشبية أو المغموسة في خنادق الأدراج التكعيبية، والأطفال لهم نصيب من هذا الحشد الهائل، وهم لهم متطلبات ورغباتهم، لذلك تراهم يطوفون حول المدهشات من السلع، متمسكين بأذيال فساتين الأمهات، واللاتي في كثير من الأحيان يتضجرن من إلحاح صغارهن، فينفرن منهم، ولكن رشاقة الصغار تجعلهم أكثر قدرة على الإمساك بأمهاتهم، فهم يثبون مثل الأرانب التي ترعى في حقل قشيب.
بعض الرجال يتوقفون عند المعروضات الاستهلاكية، ويقرؤون الأسعار على الملصقات باهتمام بالغ وهم على غير عادة النساء، فهؤلاء كل ما يفعلنه أنهن يمسكن بمقبض عربة النقل، بيد، واليد الأخرى تشوح بما لذ وطاب، حتى تنتهي الرحلة وقد بلغت العربة أسوأ أحوالها، والأغراض بمختلف أنواعها وأصنافها وألوانها، تطل على الناس من خلال قضبان الحديد التي سجنت فيها، ولا ضير، والذريعة الدامغة هو أن هذا الشهر شهر خير وبركة، والبيوت تحتاج إلى كل هذا الزخم من المشتريات، فقط الرجال هم الذين تستوقفهم هذه الشحنات الضالعة في الوزن الثقيل، الرجال فقط تستوقفهم بعض الأسعار، ولكنهم لا يستطيعون الإفلات من جدول المواد الاستهلاكية التي سجلتها لهم أم عيون كحيلة، فتجد الواحد من هؤلاء المغلوب على أمرهم، يتلو الأرقام كمن يجلس في حفلة زار، وبين الفينة والأخرى يتصل في السيدة، ويتأكد من هذا وتلك السلعة، لعله لا ينسى شيئاً، مما تم تحفيظه إياه.
ويظل هذا البني آدم يبسبس ويطقطق، ويهز رأسه، ويلوح بيده، ويتلفت يمنة ويسرة، ولا يخرج من «السوبر ماركت» إلا وقد طفح الكيل، وأصبحت العربة اليدوية تسير بتثاقل، وعجلاتها الصغيرة، تصرصر منحشرة محصورة في حفرة ضيقة، وعلى الجانب الآخر، ترى النساء، وكأنهن في حفلة عرس، الابتسامات تشق الأفواه، والأصوات صادحة، واضحة، نقية من شوائب النهار الرمضاني، والواحدة منهن تلتقي بأخرى، ويفتحن حوارات مستفيضة غنية بالقصص، وكلها لا تتعدى ما يخصهن من موديلات في الفساتين والعباءات والمجوهرات، وغيرها، وكل واحدة تتوعد بأنها لن تدع الفرصة تفوتها، (وفلانة ليست أحسن مني)، ومع الوداع في ليلة طويلة في السوبر ماركت يتم عقد مواعيد الذهاب إلى المحلات المذكورة، جمعاً لا فرداً، وهذا بالنسبة للنساء أفضل، لأنه يمنحهن مجالاً للنقاش حول نوع الفستان، أو شكل العقد الذهبي، أو الألماسي، بالإضافة إلى ذلك يكون الجو رائقاً للمرور عند أحد الكوفيهات، لأجل رشفة من مشروب ساخن، أو بارد.