لو فكرنا في الارتباط الشرْطي بين شهر رمضان، ولعبة «العظيم»، سنكتشف أن هناك علاقة وطيدة بين الحميمية التي تجمع فريقين في هذه اللعبة التاريخية، كما هي الحميمية التي تؤلف مجموعات من أبناء حي واحد أو قرية أو مدينة أو حتى تتوسع الدائرة في كثير من الأحيان، فيلتقي أشخاص، وأسر من مناطق متباعدة، يجمعهم حبل المودة، موصولاً بشريان القرابة.
هذه الصلة الإنسانية بين لعبة العظيم والشهر الكريم، جعلت لهذه اللعبة منطقة واسعة في الذاكرة الإماراتية، فاليوم عندما نستدعي فراشات الأفكار، ونسحب خيط الأحلام، ونحن نمر في أجمل أيام السنة، نشعر بأننا نعيش طفولة مستجدة وعفوية تجر خطاها في القلب، وابتسامة قديمة، قدم رائحة السدرة العملاقة التي تتوسط قريتنا الرائعة، وهي السدرة التي كانت تدور تحت أغصانها المتعانقة، هذه اللعبة، كما تدور حكايات، ومسامرات، وسهرات، وضحكات، وأحاديث، ومشاهد، وأحداث، كل ذلك يحدث في زمن نفض يده من بوارق التقنيات، واحتفظ فقط بأولويات الحياة، حيث كانت الحياة تمد للمدى بصراً، لا تغشّيه مستحدثات اليوم الأول للتطور البشري في مختلف المجالات.
كانت القرية عند كل مساء، تمد ساقيها إلى البحر، وتسند ظهرها إلى الجبل، والليل يعكف على قراءة فنجان أحلامها، والنجوم تغرد باسم عشاق نهلوا من معين الليل حتى فاض الليل عشقاً، وبينما كان الصغار منهمكين في اللعبة، كان الكبار يترنمون باسم تاريخ مر من هنا، من طرق القلب، حتى أرهق الوتين، وحتى أصبحت المشاعر مثل أعشاب بحرية ملت الجزر، وتهفو لمد يغسل خصلاتها بالملح، ويمنحها نشوة الانتماء إلى أيام يتبارك فيها الناس بالصيام، والقيام، وشغب الصغار وهم يمطرون الأزقة بزقزقات كأنها الخصب في أحشاء الأرض.
اليوم، نستدعي، ونستمر في المحاكاة لزمن، لم يزل يغدقها بالحنين، لم يزل يغرقنا بالصور، وهمسات مرت من جادة لحظات مباغتة، وما زلنا أطفالاً كباراً، ما زلنا كباراً بقلوب كأنها إسفنجة تمتص الأيام، ولا تتعب، لأن في الأيام وجوهاً، لها، مع لعبة العظيم في ليالي رمضان، فيض من مشاعر، هيضها زمن، ولكنه لم يكسرها، أتعبها سهر، ولكنه لم ينهرها.. تتمسك بها الذاكرة، وتمسك بكفها أمنيات كانت في البدء، فراشات تلهو بأفئدة أرهف من أوراق التوت. واليوم نمضي في سرد الحلم، نمضي في ملاحقة الصورة القديمة، ونمضي في ترديد صدى العظيم في رؤوسنا، ونصبح على خير ما جاد به، وما جودته الأيام، وما حفظته القرية من قصائد، وعبر، وأحلام. كل منّا له في الحياة، لعبة، وكل لعبة لها رنين في الذاكرة، ولأن الحياة بمجملها لعبة كبيرة، فإن تذكر الألعاب، جزء من ثيمة اللعبة الأكبر، وهي حياتنا، هي لعبتنا الأكبر، هي ابتسامتنا الأعرض، وهي دمعتنا الأوسع.