كلما التقى برشلونة وأتلتيكو مدريد، شحذ الإعلاميون أقلامهم، وأيقظوا حواسهم ومتخيلهم، لكتابة فصل جديد من حكاية الإبداع والجمال، لأن ما سيشاهدونه حتماً يستدعي مهارة عالية في وصف هول الاصطدام، وقوة الانفجار في تقاطع نمطين تعبيريين لمتعة كرة القدم، وبينما يميل الألماني فليك، مدرب برشلونة لأسلوب الاستحواذ، قاعدة لبناء منظومة اللعب، يقف الأرجنتيني ديبجو سيميوني، مدرب «الأتليتي» في الجهة المقابلة، فِكراً يعشق النسف، ولا يزعجه أن تذهب منه الكرة زمناً، لأنه إن قبض عليها حوّلها إلى «جمرة».
التقى الفريقان في «الليجا»، وخطف أتلتيكو مدريد الفوز بخبث كبير هو سلاح من الأسلحة، وواحد من التعبيرات عن الدهاء الذي تحتاجه كرة القدم لحسم الجزئيات في مباراة من هذا القبيل، لكن في لقائهما مجدداً ببرشلونة في ذهاب نصف نهائي كأس الملك، جاءنا العرض الكروي ساحراً، من خلال تقابل أسلوبين متعاكسين، وجاءتنا الأهداف من تطريز مختلف الألوان، وجاءتنا الإثارة محمولة على هودج، لتكتمل وصفة الجمال والإبداع وحتى الدهشة، ويحق أن نطلق على هذه المباراة، وصف مباراة الموسم.
 قال المتنبي أبلغ شعراء العرب: «وبضدها تتميز الأشياء»، فقد أظهرت مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد أن كرة القدم بضدها تسحر وتمتع، فريق برشلونة الذي يملك جينات الإبداع الفردي والجماعي، ويقدم في زمن المباراة فصولاً من مهارة الإطباق على الخصم لحد الإجهاز عليه، باعتماد خطة المروحية، وأتلتيكو مدريد الذي يستمتع بالتخندق في جحوره الدفاعية، قبل أن يرسل في سماء المباراة شهاباً يعلن قدوم العاصفة.
جعل «الروخيبلانكوس» هذه المرة من بداياته، عزفاً مغايراً، إذ نجح وبرشلونة يضع المقاسات لرحلة الاستحواذ والإطباق، في تسجيل هدفين، أبداً لم يخرجا «البارسا» عن طوعه وهدوئه وفلسفته، ليتمكن في وجود بيدري ويمال ورافينيا وأولمو، وهم عناوين للإبداع والنبوغ، من تحقيق «ريمونتادا» مدهشة، قوامها أربعة أهداف، ظن الكل أنها وضعت «البارسا» في مأمن، حتى إن هناك من بدأ يتحدث عن «كلاسيكو» في نهائي كأس الملك، إن تجاوز ريال مدريد عقبة ريال الباسكيين، لكن الذي حدث أن سيميوني أخرج من «دكة» بدلائه لاعبين غيّرا خطوط الطول والعرض في جغرافية المباراة، ونجح أتلتيكو في العودة في المباراة بتوقيع هدفين أنهيا المباراة متعادلة، مباراة أرتنا وجهين متناقضين، ولكنهما متعايشان في كرة القدم.
وجه الاستحواذ والامتلاك، ومحاصرة المنافس في منطقته لحد إذلاله، ووجه اللعب المباشر الذي يعتمد سلاح المرتد القاتل، ولا يعرف له اليأس طريقاً.
رائعة وجميلة هذه المحاكاة التكتيكية في مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد، فإن عشقت فيها الاحتفالية بالأداء عند فريق يضغط عالياً، ويحكم الخناق ويشد الوثاق، عشقت فيها أيضاً البراغماتية والواقعية التي يجسدها اللعب المباشر، ويا لمتعة تلاقي الأضداد!