أن تجلس مدينة صغيرة وسط جبالها الشاهقة، تلفها بدفء، ملتحمة بينابيعها ونخيلها، وبصفاء وهدوء صباحها وليلها، يبهجها الزائر ويحيي وصالها، وتحييه بمودة قلما يشعر بها في مدن رفيعة المستوى، فبين صحوها وغفوها يبتدر الحلم وتخطو بك خطوات ما شئت أن تخطوها نحو الجبال ووسط النخيل وينابيع الماء، وصفو الخيال بسحر الوجد، بين كنف شوارعها تمضي وبين أناس يعشقون الصباحات، لديهم فيها معنى جميل بنشوة الروح، فالصباحات تمضي بينهم في سلام، وجوه وفدت من أبواب مختلفة، ومن مدن بعيدة وقرى، وجوه كامنة ملامحها فيهم، نسيج من الهنود الحمر ومن المكسيك، تدل عليهم دلالات وعبق من وحي تراثهم المنتشي بتاريخهم وسماتهم.
يجرك الطريق إليها، يعنون اسمها مدينة ينابيع النخيل، تصلها عند الغروب المتدفق على أبوابها، فيغمرها الظلام رويداً ويسكنها فتكاد لا ترى الجبال تحتويها، ويلهمك سحر نجومها وهي تشع في وقار، يحرسها القمر ويلهو فيها الصمت. إنها فتنة المساء خيوطاً تتشابك للتأمل.
أمام مشاهدات زمنية مزمنة بتاريخها تبتدر من ذاكرة خفية، تستّمدّ منها ما يُبهر النفس والعين، ترى تلك الفضاءات متفرقة بين نخيل مسكونة بين الجبال، وهي موطن النسر الأميركي، تراه يحلق عالياً، يُظهر وفاءه المحتدم لطبيعته، وربما يحوم حول فريسة يريد اقتناصها.
فلا معالم هنا سوى معالم الطبيعة الجبلية، تختال بالدهشة كلما توغلنا بينها، لنشرع مشياً على الأقدام كما أشاروا لنا، تحفنا بمشاهد ما ترك التاريخ لنا من صخور وجذوع خيل تفحمت، وبقايا بيوت قديمة تقف على حد السراب.
تقف أمام محل صغير يشبه كوخاً قديماً يسطر أيقونات من تراث الهنود الحمر، منها أسهم كانت تستخدم دفاعاً عن النفس، وريش النسر كان يضع على الرأس، وصخور نقشت عليها شيئاً من ماضي الحياة، كل الحكايات قد تجمّدت أمام الجبال الشاهقة.
فضاء مبهر يعكس إطلالات تاريخية، مرّت من هنا، في مكونها الجميل وسماتها الفنية، هي قطعة من تجسيد الأفلام القديمة مثل أفلام الكابوي، وترى سوقها القديم الذي يفتح أبوابه ويحفظ الود لتلك الأعوام القديمة. مدينة لها تميزها السياحي بين واحات النخيل ومنتجعات من نسيج الطبيعة، وبحيرات مصطنعة محاطة بطيور البجع، أخضعوها للسياح ورياضة الغلوف ولها رصيف يكمن فيه إرث سينمائي قديم يسطرون عليه أسماء نجوم السينما بنجوم ذهبية تمتّد في بهاء احتفائي بهم.