هل حقاً ريال مدريد يقتل كرة القدم؟
من وقت إلى آخر، يقفز هذا السؤال للصحف وبلاتوهات التحليل، وحتى لغرف المؤسسات الكروية المغلقة، فإن لم يكن ريال مدريد المؤسسة العملاقة التي تسحق كل الأرقام القياسية الاقتصادية، وهو يحقق في كل سنة إيرادات مالية خيالية، فهو الفريق الذي يمشي في كل موسم ملكاً، ليحصد الألقاب بكامل تعريفاتها وخرائطها الكونية، وهو الفريق الذي إن ارتفع له صوت الشكوى، أنطقت كلماته من بهم صمم، ومن بهم كم كبير من «الغيرة»، فلا أحد يقبل من فريق أن يسحق الجميع، ويمشي على الجثث، ثم أخيراً هو الفريق الذي يتمرد على النمطية، إذ يشعر أن الكثير من الصور المركبة تفرمل انطلاقته نحو عوالم أخرى، و«السوبر ليج» التي تخيلها منقذاً من الاحتباس، حوّلته في عيون «اليويفا» إلى سارق أحلام الصغار.
في الآونة الأخيرة، تجدد «سُعار» الأندية الإسبانية، وريال مدريد يصف «الليجا» بأبشع الأوصاف، ومن ناب عن كثير من أندية «الليجا» التي تعتبر ريال مدريد طاحونة تفرم الجميع، رئيس نادي إشبيلية الذي قال بلا أدنى تحفظ :«منذ مدة ليست بالقصيرة، وريال مدريد يحاول تدمير كرة القدم الإسبانية، لا يمكن أن نتسامح مع فريق يريد تدميرنا؟».
إن كان ريال مدريد متهماً بتدمير كرة القدم الإسبانية، فما دليلهم على ذلك؟، وإن كان ريال مدريد متابعاً بجريمة قتل كرة القدم، فما الشيء الذي يدينه؟
ما هو مؤكد، أن ريال مدريد لم يدمر قاعدة من قواعد كرة القدم المعروفة، يلعب بـ11 لاعباً مثل غيره، ولم يرتكب فيما أعرف، ولا جنحة تحيله إلى قضاء كرة القدم، قد تكون تهمته أنه يجمع في كوكبه المضيء زمناً بعد الآخر، العديد من المجرات التي تسحر العيون بجمال أدائها وتفرد إبداعها، وقد تكون تهمته أنه لا يتوقف عن مطاردة الألقاب عالمية كانت أم أوروبية أم إسبانية، ويفعل ذلك بشكل باهر، لا يترك في الاستحقاق والأهلية أي ذرة شك، وقد تكون تهمته أنه يحتكم على أقوى قاعدة اقتصادية، بأرقام تسيل اللعاب، وتشعل «الغيرة» لدى كل من تعجزهم هذه الحوكمة الرائعة التي يخضع لأحكامها، وقد تكون تهمته أن عالميته وجبروت مؤسسته الرياضية قبل الاقتصادية أيضاً، تجعل من كل صرخة احتجاج له على أي تجاوز تحكيمي، رجة عنيفة تهز أركان بيت كرة القدم الإسبانية، ويعتبرها الآخرون قتلاً لكرة القدم، وضرباً لتكافؤ الفرص، وذبحاً لقيم المساواة التي يفسرها كل واحد على هواه.
كرة القدم لم تمت، وريال مدريد لم يرتكب جنحة القتل العمد لكرة القدم، إنه يحاول دائماً أن يحملها لكوكب آخر، لتظل ممتعة، جذابة ومربحة أيضاً، إنه يعطي للجميع المثال على أنه أقوى وأكبر من أي محاولة لصرفه عن أحلامه التي لا تنتهي.