في ليلة العيد، تبدأ حفلة الحناء، وتلك الرائحة تعبق المكان وتغسل القلوب، حيث تتجمع الزهرات، في بيت إحداهن، والأيسر حظاً وكذلك الأنعم واقعاً.
لا يوجد متخصصات، ولا صالونات في زمن الفضاءات المفتوحة، بل كانت الفتيات الأمهر في فن التشكيل يتصدرن المشهد، ويقمن بتنفيذ المهمة بحذافيرها، وبمزاج رائق، وتبدأ التشكيلات في رسم الحناء تحت وقع الأغنيات وبأصوات تنزل من الثغور مع نزول ألسنة النار من الفنار المعلق في سقف الخيمة، في فصل الشتاء، ومن زاوية عارضة خشبية، في العريش في فصل الصيف.
وبينما كبيرات السن منشغلات في إعداد احتياجات الفطور الصباحي، تنهمك الصغيرات في ترتيب مشاعرهن بما تجود به جيوب الآباء، وهي زهيدة في غالب الأوقات، وأحياناً تشيع الفزع لدى من لا تجد ما يشرح الخاطر، ولكن برغم كل الأعاصير التي تعصف بالأحوال، إلا أن الفرحة في تلك الليلة تبقى على السحابة الشائعة، والتي تسيطر على الأفئدة، والتي تبعث على السرور لدى كل فتاة، ومن لا تجد فرصة توفير الحناء لتلك الليلة، تتصدى إحدى الرفيقات، وتقوم بالواجب وأحياناً تتدخل الأمهات لترفع الخجل لدى المعسرات، وتتبرع بلقمة حناء وهي تسمى ذلك لأنها تؤخذ بضمة الكف، وتقاس هكذا، ولا تنقضي الليلة، إلا وقد أخذت كل واحدة نصيبها من الفرحة، واستمتع الجميع، وهذا يكفي لأن يجعل ليلة الحناء ليلة استثنائية، وليلة فريدة، وليلة يحلو فيها الغناء، بأصوات ملأى بالشجو، أصوات كان فيها الحنين إلى شيء ما، ربما لا يمكن تفسيره، ولكنه يعبّر عن طبيعة البشر، حتى في المناسبات السعيدة، لا بد أن يقتحم الحنين صدورهن، ولا بد أن تبلّل الدموع رموش العين، وقد يستغرب المرء مثل هذا السلوك، ولكنه في الحقيقة تعبير طبيعي، عن حالة وجودية تنتاب الإنسان رجلاً كان أو امرأة، في لحظات الانغماس بالحرب، وكأنه يقول لنفسه، ليس الحزن شيئاً سيئاً، وإنما هو مثل البهار، فحتى يشعر الإنسان بطعم السعادة، لا بد أن يغمس الشرايين في طاسة الحزن، على الأقل لكسب الود مع اللحظات التي غالباً ما تحاول الهروب من بين الضلوع، وهذا طابع بشري، الإنسان بطبيعته ينحى صوب الحزن، وذلك ضرورة وجودية، وهي لحظة الذروة في لذة الفرح، ويكون الحزن مسماراً صغيراً في قلب اللوحة التشكيلية الرائعة، لوحة الحناء، لوحة الفرح، لوحة تقليب المشاعر على طبق الليلة المضاءة بعيون لرموشها سر العلاقة مع الكحل ورائحة الحناء، فكلاهما يبعثان على الفرح، وكلاهما إشارة للتحول من حالة سكون، إلى حالة الحركة في مشاعر الأنثى المبجلة.