الضاد في منسوبها العالي، في حرفها المزخرف بأبجدية لها في السمع أنشودة، وفي البصر لون كلون البحر، وهي اليوم إذ تسعى في الضمير كأنها الغزالة في حقل العشب القشيب، وهي اليوم إذ تمضي في الوجدان كأنها الأغنية تتمشى على رمش، وجفن، وهي اليوم إذ تتماهى والنجمة في سماوات المشاعر الوطنية، نرى أنفسنا مرغمين على وضع النقطة على الحرف الجليل، كي تستمر قافلة اللغة في النشوء والارتقاء، تلون نفسها بما جادت به الحضارة العربية من بريق أخذ الألباب، ولباقة أسمعت من به صمم، وذلك يوم كانت اللغة العربية قاموس العالم في تقصي أسباب الوعي الإنساني، يوم ما كانت الحضارة العربية هي المعجم الثقافي لعالم يتهجى طريقه إلى الحياة، ويبحث عن ذاته في تلافيف الطبيعة الجارفة.
اليوم نقول يا حبذا لو يلتفت كل منا إلى وسع اللغة كأساس للهوية كونها الوعاء الحامل لهذه الهوية، وهو السحابة التي تحمل بشائر الخير لحضارة عربية عريقة استمدت رشاقتها من قوة المعنى في اللغة، ومن فيض الفكرة المختبئة في معطف هذه اللغة، التي تمتعت بنغم، وشجن، ولحن، ما تميزت به أي لغة في العالم، وما إن انطفأ مصباح الحضارة العربية بفعل فاعل ثقافي، حتى فقدت لغتنا، جغرافيتها المعجمية، وأصبحت تبحث عن ذاتها في ذوات الآخر.
اليوم كل واحد منا مطالب أن يتصدى للرياح الهوجاء، وأن يحمل على عاتقه مسؤولية اعتبار لغتنا هي هويتنا، وهي ثمرة التلقيح لثقافة تحتاج كثيراً لضمة تحميها من الشتات، وفتحة تسرج خيولها في العالم، وكسرة، تكسر حاجز الدونية، وسكون تحفظ الود مع الثوابت اللغوية كونها المرآة لهوية أي شعب، وهي السراج الذي يضيء، الطريق للأجيال القادمة، والحاضرة، بأنه لا جدوى من لكنات ترفع المنصوب، وتضم المكسور، نعم نحن بحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية تحمي لغتنا من الهشاشة، وركاكة الفعل اللغوي، نحن بحاجة إلى قوة ناعمة حقيقية، تمنع عن لغتنا الضعف، وتزيح عنها غبار اللهاث خلف لكنات ربما تصبح بعد حين إلى لغة ثانية، أو حتى أولى فيما لو غفل الجيل الجديد عن أهمية أن تكون الضاد هي سقف خيمتنا الثقافية، وهي العمود الفقري لهويتنا، وهي سبب وجودنا، وأساس قوتنا، واليوم الإمارات بفضل القيادة الرشيدة حققت منجزاً حضارياً، متيناً يحتذى به، في مختلف المجالات، وبالأخص المنجز الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، وهذه منجزات بحاجة ضرورية للحفاظ عليها، وعدم المساس بجذورها، لذلك نقول، الجميع مسؤول عن لغتنا، بدءاً من الأفراد، وانتهاءً من المؤسسات الحكومية ولا أحد يحق له أن يقول، (أنا ما يخصني) لأن المسألة مسألة وجود، ومسألة لغة مرتبطة ارتباط الروح بالجسد، بهويتنا، والتي هي حياتنا، وطريق نهضتنا، وسبب تطورنا.
المطلوب ثقافة مجتمعية، ومؤسساتية مجتمعة تقوم بوضع الأسس، والثوابت لتعليم اللغة بدءاً من سن الرضاعة، وإلى ما لا نهاية، لأن اللغة مثل الهواء والماء، ولا انقطاع في سريانه، اللغة هي الدم الذي يجري في العروق، كما أنها الأنفاس التي تهز ضلوع الصدر.