نحن في قلب العالم، بل نحن قلبه، نحن رئته، نحن تلك الضاد التي طوقت العالم بسلسال حضاري امتد على مدار قرون، واليوم عندما تنهض الحضارة بعد سبات، وبعد افتئات، وبعد شتات، هذه الحضارة تلم شتاتها، وتجمع أثاثها المبعثر، وتتجلى في قميص النوابغ من أبنائها، البروفيسور أسامة خطيب يقطف جائزة النوابغ عن فئة الهندسة والتكنولوجيا من شجرة الإمارات الفارعة، من محطة دبي الهندسية في رفع قامة النبوغ العربي، وكشح غمامة الإحباط التي تشبثت برقاب العباد، منذ أمد بعيد، وقد قالت دبي كلمتها، حان الآن أن نرفع الضيم عن أمة طالما أضاءت غرف العالم بأقمار إبداعات أبنائها، حيث نهض المفكرون والعباقرة من أمثال ابن سينا، وابن الهيثم، والفارابي، وابن رشد، والأسماء تملأ أسماع التاريخ، وتمتد على مدى عصور، وزهور، اليوم تقول دبي، كفى، لا بد وأن تستعيد هذه الأمة حصتها من الحضارة، والتي غفت لمدى طويل، اليوم لا بد وأن يعرف الجيل الجديد أن هذه الأمة كالنخلة قد تمرض ولكنها لا تموت، لأن الجينات فيها مغروسة في تربة الحياة وليست في قبور الموت، هذه الأمة، التي خرج منها أحمد زويل، ونجيب محفوظ، وهزاع المنصوري يجب أن تبحث عن ذاتها في معطف تاريخها، وليس تاريخ غيرها، وهذا المعطف زاخر بمنمنمات إبداعية في مختلف الفنون، والعلوم، ولسنا متحيزين لذاتنا، وبقدر ما نحن منتمين إلى الحقيقة، والحقيقة تقول إنا هنا في صدر الأمة وضميرها، وليس هناك خارج أطر الحياة.
وعندما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بأن العرب قادرون على استعادة ريادتهم العملية، فهذا تصريح فيه تلميح لذاك التراث العربي العريق، والذي يفيض صندوقه بما جادت به الذهنية العربية من إبداعات أسمعت من به صمم، واليوم عندما تتبوأ دبي، بالتزام قيمي وأخلاقي، وتتصدى لأهم مهمة إنسانية وهي تكريم النوابغ العرب، فهذا ليس بغريب على قادتنا، وليس بالشيء الجديد، على بلادنا، والإمارات منذ فجر الاتحاد أخذت على عاتقها مسؤولية التضامن مع العقل العربي، وحفظ حقوقه، والنهوض به، والاعتناء بمنجزاته، ورعاية مشاريعه، والعناية بكل ما يقدمه هذا العقل، وما يقدمه كثير، واحتضانه واجب قومي، ووطني.
وقد قيل منذ زمن «العالم لا يحترم إلى ضربات الأخف الثقيلة»، وهذا صحيح لأن الذين يختبئون خلف الحجب، والذين يسيرون ببطء، ووراء الجدر، لا يمكن للآذان أن تصغي لهم، لأنهم لا يثيرون حاستها، الأمر الذي يجعل التركيز، وبقوة على ما ينتج عن العقل، وما يبدعه، أصحاب العقول النيرة، هي المهمة المحورية في تدفق الحضارات، واستمرارها في الوصول، ولن نصل إلا من خلال هذه العقول، وقد قال جبران «تقدم ولا تتوقف، في التقدم يحدث الكمال».
الذين يتوقفون عن المسير، لا بد وأن تداهمهم العتمة، ويخيم عليهم الليل، وبالتالي لا بد وأن يسبقهم الآخرون إلى الحقل فيقطفون الثمرات الناضجة.