دعْ، قمْ، وقُل: أنا سيّد الريح، واسبقها قليلاً. هكذا تنحني لك العاصفة ويبجّل المنسيون في التيه سيرة سعيك الذهبي نحو عرس الحياة. أما إن وقفت لتنتظر، أو جلست لتتدفأ بنار الحسرة، فإن مطر الصواعق سينهش زمنك البطيء، ولن يراك المندفعون في طرقات الحرية إلا مجرد حجر عثرة، يجب أن يُزاح كي تكتمل فكرة الوصول إلى المستحيل.
حتى لو تكسّر مجدافاك عند أول النبع، ها هما يداك تصلحان أن تصيرا مجدافين قويين. جرّب أن تسابق بهما تيار الضد، وأن تداور بهما كلما انحنى النهر أو تبدل المجرى يميناً أو شمالاً. أنت في الحقيقة فعلٌ وموقفٌ وقولٌ قابلٌ للشك. ولا بأس، إن رأيت نفسك أمام المنحدر، أن تتمسك بالأغصان الهزيلة. لن ينقذك من السقوط إلا انتباهك. ولن يجرفك سوى الغفلة أو التغافل عن حقيقة ما تدركه حقاً. وهي أن السيل حين يأتي لا يرحم أحداً. فلماذا تبني بيتك من قشٍ وأنت تّدرك أن الفيضان آتٍ؟ من أوهمك أن الزمن صديقك الوفيّ حتى أمنت غدره؟
نصف الوهم أن تصدّق أن هناك نهاية ما، والنصف الثاني أن تظن أن هناك بداية ما. ذلك لأن العقل لا يقرأ الأشياء كما هي، بل يضيف إليها التصورات ويضفي عليها لمسة من خيال. ماذا لو عكسنا هذه الفكرة وقلنا: نصفُ الحقيقة أن تصدّق أنه لا توجد نهاية سواء للزمن أو المكان. ونصف الحقيقة الثاني أنه لا توجد أيضاً بداية لهما. وما يدوم بين هاتين الحقيقتين هو التغيّر والتبدّل ودوران المعاني في بعضها.
مثل بقية الخلق، كُتب عليك أن تلهث باحثاً أولاً عن اللقمة ثم عن الكلمة ثم عن الفكرة المغايرة. حسناً، ها أنت تجلس إلى الكتاب فيقودك إلى اليقين. وتخالط الفيلسوف فيهديك إلى الشك. وحين تتركهما وتبحث في عمق ذاتك عن المعنى، سترى أن الخير والشر يتصارعان داخلك أيضاً، ولا لنصر لكليهما مهما انتظرت. وكأنما كُتب عليك أن تعيش منجذباً للضوء والوضوح، ولكن خيوط الظلام تقيّد رجليك كلما هممت نحوهما.
دعْ كل ما تراه يثقلك. اخرج وانفض جسدك من عوالق الأمس، ثم طهّر عقلك من الأفكار السائبة. وسوف ترى أن حضورك في اللحظة يكبر، وانتباهك يبدد الغفلة، وعندها فقط ستتكشف لك حقيقة من أنت، وما هو العالم من حولك.