بين فترة وأخرى تظهر لنا نفحات وهَبّات تطول أو تقصر، لكنها في النهاية عابرة مثل موضة تُحب في وقت معين ومكان معين، وسرعان ما يصبح الجديد قديماً، وقد كثرت في السنوات الأخيرة، نتيجة تأزم الإنسان من أوضاعه، والضغوط الحياتية المختلفة، وسرعة إيقاع الوقت وطغيان الأشياء المادية، بحيث أصبح الإنسان عرضة لأي منقلب، وقابلاً لتصديق أي شيء يمكن أن ينقذه وينقذ روحه، فتجده يلجأ إلى ولو كانت قشة من التي تكسر ظهر البعير، ويرى فيها طوق النجاة، وعليه ظهرت في العالم ظواهر لممارسات كثيرة، وطقوس متعددة، وكلما كانت هذه الوسائل تقليدية ولها إرث تاريخي، وتحتويها مجلدات قديمة، كانت في نظره أنجع وأنفع. 
فشاعت دروس اليوغا بمدارسها المختلفة في هذا الجو الصحراوي الذي ييبس مفاصل الركب، وشاعت بين الناس لحظات الاستراحات وصب الزيت الساخن قطرات متتالية على قمة الرأس، والبعض مارس الصوم الدهري وهو متلذذ بالاستماع للناسك البوذي في بواكير صلواته، وأهمية أكل كل ما يُقطف من ورق وثمار، والبعض استحب شرب الشاي الأزرق الياباني، وممارسة رياضات تأملية قديمة في الماورائيات.
يفعل الإنسان كل ذلك من أجل متعة الروح، وسكينة النفس، وسعادة يدخلها على الذات المنهكة في خضم هذه الحياة المادية بامتياز، ثم ظهرت في سنوات كتب تطوير الذات ودع القلق وابدأ الحياة، والتي غدت رائجة في حينها، وأصبح المؤلفون في هذا المجال من كل ما هب ودب، وفي أعمار صغيرة، بعضهم لا يتجاوز الثلاثين عاماً، وكان يتملكني العجب عند رؤية صورهم على كتبهم ذات الطبعات المتعددة، متسائلاً عن مدى خبرتهم في الحياة، ومجادلتهم لها، ليظهروا بحكمة القول، وصواب الرأي، وتلك النصائح التي تساوي ذهباً.
ومع التطور في وسائط الإعلام والاتصال راجت موضة جديدة من المحاضرات والندوات والدورات حتى غدا كل واحد «كوتش» على رأيهم، والجميع يطلب منك أن تسترخي منذ أن تصحو من النوم، وتبدأ بشرب ماء فاتر، لترين على الريق، وتضع موسيقى من أجواء الطبيعة تسمع فيها زقزقة العصافير، وهبوب الريح الخريفية وهي تسحب الأوراق المتساقطة، وخرير الماء المنساب بين الشقوق الجبلية، وحاول خلالها أن ترنو ببصرك إلى الأفق البعيد، وارفع رجلاً على الحائط، واثن الأخرى، واجعل فاهك فاغراً لدقائق، وتنفس بعمق، وتخيل نفسك على سفوح جبال الألب، كرر هذا التمرين ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، من أجل نتيجة إيجابية، ولا أدري مدى فائدة كل ذلك على رجل سيدفع أقساط المدارس كل ثلاثة أشهر، وفواتير الماء والكهرباء والغاز والهواتف والإنترنت والسيارة شهرياً، و«ميوا» البيت الذي كان بألف، والحين بثلاثة آلاف، غير المخالفات المرورية وصدعة «الدريول والبشكارة» وطلبات المزارع التي لا تنتهي؛ «أرباب الغطّاس خربان، أرباب هذا يعَدّ خمسة في موت»! صحيح أن فن تطوير الذات شيء مهم، لكن نحن ملاقين الذات، علشان نطورها!