لا نعرف كيف نتعامل مع الكثير من الأشخاص من مختلف البلدان، هل التعامل معهم سيكون وفق المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية، أم وفق ثقافاتهم السائدة، والتي تعودوا عليها في تسليك أمورهم اليومية؟ وبالتالي التعامل الأمثل مع الأطراف الأخرى يكون وفق إيقاعهم الحياتي، ووفق ما تعودوا عليه طوال السنوات الطويلة.
الكثير من الأفراد في بعض البلدان الآسيوية، يقول لك: سأغيب نصف ساعة، ويطلب منك انتظاره، لإنجاز عمل مشترك بينكما، مع هزة الرأس دليل التأكيد على الدقة، تمضي ساعة ونصف وبعدها يتواصل بطريقة عادية، ولا كأن شيئاً حدث أو أن بينكما موعداً مضروباً، ويمكن أن يدخل بعد التجشؤ في الموضوع مباشرة، بعد أن أخذ قيلولة عنّت على رأسه، واستيقظ وعظامه تتوجع، وأخذ «كوب شاي بالحليب»، ورجع لك شبه جاهز، هنا إن كنت تعرف طبيعة هذه الشعوب، وثقافة التعامل اليومي مع أفرادها، وأن الوقت مطاط عندهم، وأن الآخرين يفهمون ويتفهمون الوضع، ولا أحد يشكو الآخر ويعاتبه، فالخير لك أن لا تسأله أو تناقشه أو تتخذ موقفاً صلباً بإنهاء التعامل معه أو الحكم عليه أخلاقياً، لأن هذا الأمر لن يفيدك، ولا يفيده، لأنه محكوم بسيرورة مجتمع بأكمله، والجميع متواطئ وراض عن الوضع القائم، ولا نية واضحة لتغييره.
هناك شعوب أخرى تعد كل المسائل المعطلة تكون غصباً عنها، وخارجة عن إرادتها، لذلك يستلّ الواحد منهم لها من الأعذار والمبررات بما حضر ووجد في زوادته، ويرميها بعيداً عنه، قد يبدؤها بمرض مفاجئ أصابه أو أصاب أحداً من أهله أو أقلها تعطلت سيارته، وأضعفها زحمة المدينة التي لا تطاق، يمكنه أن يخترع أي شيء لذلك التأخير والتعطيل، مثل أن عملاً ضرورياً وطارئاً حلّ عليه، إلا أن يكون هو السبب الرئيس في تلك المعضلة، باعتباره خارج حسبة الغلط، وخارج الإدانة.
وحدهم الأوروبيون والغرب وبعض الشعوب في الشرق الأقصى لديهم الوقت واحترامه من احترام الشخص الآخر، ولا يعترفون بالأعذار والمبررات، فلكل شيء وشخص قدسيته واحترامه وقيمته الإنسانية، هذا هو الإطار العام في التعامل مع الصغيرة والكبيرة، وعليك أنت أن تتعامل مع ظروفك، لأنك أبصر بها، فلكي تصل لموعدك اخرج من البيت قبل ساعة ويزيد، ولكي لا تتأخر على شخص ما عليك حساب الإحداثيات، ومراعاة الظروف الجوية، وسلك الطرق السهلة، وفحص إطارات سيارتك إن تطلب الأمر، فـ «النرويجي مب شغله إذا بنجر تاير سيارتك أو أن أم حرمتك تعطل عندها الطحال»، مشكلته الأساسية؛ ليش تأخرت عليه، وجعلته ينتظرك! وهو أمر يعده قلة احترام وتقدير لشخصه ووقته والجهة التي يمثلها والبلد الذي ينتمي إليه، فهل الدانمركي هو الصح أم الآخر في هذه المعادلة الحضارية؟
لذلك كل أفراد الشعوب، مهما تعددت ثقافاتهم، وإيقاع ساعات يومهم حينما يقصدون أوروبا وأمريكا، تجد ساعاتهم مضبوطة على التوقيت السويسري، ويحرصون على أن يكونوا في الموعد وقبل التوقيت بفترة زمنية، لكي لا يقولوا عنهم متخلفين، وأنهم متحضرون، لكن تعال وشوفهم حينما يرجعون لبلدانهم، أو قبل ذلك حين تدب أرجلهم مطارهم الوطني!