في نوفمبر، فتح الكتاب صفحاته على التاريخ، ليقرأ العالم عن وطن يسجل رقماً قياسياً في رعاية الكتاب، وتطويق الكتاب بأجنحة ورقية فيها تسهب الكلمة في المعنى، والعبارة تنشئ ذلك النسيم المهفهف على رموش ووجنات، حتى أصبح الكتاب هو الأغنية الأهم في بث اللواعج، ونثر العطر في نواحي النفوس، وفي زوايا الأرواح.
في نوفمبر شهدنا معرضين أحدهما في شارقة الثقافة، والثاني في العين الزاهية.
في مدينة العين وتحت ظلال الأخضر اليانع، تسامرت الكلمة مع تطلعات من في قلوبهم وجد، أسهب في تقبيل الوجوه بابتسامات مبعثها وريقات كأنها المراوح تشد رحالها في الفضاء الرحب، كي تفسح مجالاً للماشين على مخمل الأمنيات بأن يستلهموا من الأجنحة المتفرعة كأنها شرايين قلب عاشق، وأن يستدعي الذاكرة، كي تسمع، وترى ما يحدث في الوطن من تظاهرة ثقافية عامرة بالحب، غامرة بلهفة العشاق في تصفح صفحات خير جليس في الزمان، وهذا زمان الإمارات، هذا وعد الإمارات، وعهدها على أن تكون في التاريخ أيقونة كتاب، وأسطورة حلم الأبدية، والأبجدية في الترقي، والنشوء، لكي يصبح الإنسان في هذا البلد، كائناً لغوياً، يصبح أنشودة ترفع الأغنيات عالياً حتى ترقص النجوم، وتصفق الكواكب، ويبتسم القمر، وتصير الحياة قماشة حريرية، تطوق الأعناق، والآفاق.
شهر نوفمبر، شهر هل بقمر الكتاب، مستعيضاً عن كل ما يحدث في هذا العالم من تشققات في المشاعر، ومن انتهاكات في شرف الحياة، وجبروت تطاول على جمال الحياة، ورونقها، وهي تلبس سندس الطمأنينة، واستبرق الحرية العفوية، ومن دون رتوش ولا شعارات تتكدس على ضمائر الناس.
في نوفمبر، العين والشارقة، قدما للقارئ المهتم في التفاصيل، والفواصل وأصول الكلمة، مائدة سخية، وثروة طائلة من الكتب ذات الأهمية القصوى في تعمير العقل، وإضاءة الروح، وزخرفة النفس، مائدة، تؤرخ للحياة، والناس، والأجيال، بأن ما يحدث في الإمارات هو انبجاس النبوع السخية، وخروج الجداول المائية من بين ضلوع هذه الحشود المتراصة، وهي تعرض نتاجها، وحصيلة عام من الإبداع، والعمل الثقافي ذات الصلة بنهضة الإمارات وتطور حصونها الاقتصادية، والثقافية، على حد سواء.
في نوفمبر كانت السماء تمطر بلاغة، والأرض تنبت نبوغاً في ميادين الكلمة، وربما اصطدمنا ببعض الانهيارات الأرضية في بعض ما تم نشره، من كتب، ولكن هذا لا يلغي الدور الأبرز لأغلب النتاجات الأدبية، والفلسفية، والتاريخية، والتي هي رصيدنا، والتي نراهن عليها رغم ما تنفثه بعض التنانير من دخان يخنق العبارة.
نوفمبر رائع بروعة شتاء الإمارات، وشعبها، وسياستها الثقافية ذات البريق، والمهارة العالية، وقوة التأثير، حيث للقوة الناعمة الأثر الأكبر في العقول، والنفوس، وكلما برع الكتاب في تقديم ما يلزم، فإن الوعي يصبح شارعاً مفتوحاً على الحياة، منعطفاً على الحب، منشرحاً من شديد الصفاء، الذي يكمن في داخل كل ضمير حباه الله بوعي شيمته الحب، حب الذات، كما حب الآخر، وفي كلتا الحالتين يكون الإنسان هو ذلك الكائن الأزلي المبجل.