قراءة متأنية من وحي الترحال والأسفار وتعدد المعرفة من جرّاء واقعة السفر وحلم زيارة المدن بشهية ثقافية تستحضر أمكنتها وصورها في ذاكرة المسافر، مدن الحلم فضاء كوني ثقافي يجدد المعرفة في قيمها وتاريخها وعبق فكرها ومفكريها ومثقفيها، ويستشهد بجوهرها العميق، ترى المدن في عراقتها أمام الرائي الزائر القادم إليها في شغف يقترن بترحال المعرفي، تتشابه المدن أحياناً في منظرها، وتختلف في طقوسها وتفاصيلها الصغيرة، تناقض يثير المعرفة، ويعمقها في النفوس المسافرة بنظرة مشرقة حالمة، فوقع السفر استشراف على الحياة برتم يتجلى في سرد تفصيلي يقظ، ممزوج بالوقت والأمكنة مزجاً سحرياً من تطلع جاذب للمعرفة.
أياً كانت وجهة المسافر الباحث عن المعرفة في أتون المدن، يسجل في دفتر الأيام الرائي بصور القلاع التاريخية ومقتنياتها النادرة، وبيئتها الزاخرة بحدائق تزخر بالممرات المزهرة، ونهيرات الماء ونوافير ذات طابع تاريخي، ومجسمات من عبق التاريخ.
فمن وحي الترحال، سواحل المدن بمائها الفضي وزرقتها وخيوط الشمس، تداعب موج البحر، ونسمات تدغدغ دفتر السفر تحرره بشيء من سهو الكلمات، فالرائي المسافر متيقن من هدوء سواحل المدن، ويراها في خضم التشكل المعرفي على هيئة صاخبة بالطرب خافقة بالفنون، تمتزج بروح من الحكايات الحية، تظهر لوحات الرسامين، تستدعي المارة، وفي زوايا تستشرف على «الزرقة» يرسمون بوتريهات، يصهرون ملذاتهم بالجلوس أوقاتاً طويلة من أجل لوحة تذكار تحلِّق عالياً بمشاهد الحياة.
ما ينبئ الذاكرة بالحياة، صور التقطت من عدسات التصوير بألوان جلية وبراويز معلقة، وأثر حكايات سواحل المدن لا تنتهي، تظهر مواهب جاذبة تدهش المشائين ومرتادي الأمكنة، ولا يضير الباعة المستظلون، وهم يحاكون المارة بود من أجل شراء شيء من بضاعتهم.
الرياضة متعة الرياضيين على السواحل يستعيدون أحلامهم، والمثقفون تلهمهم القراءة في خيالاتهم كل ما ارتادوا السواحل من أرصفة تتشابه مدنها، وبحر المحيط الهادئ يبحر في ذاكرة الرائي، يبدو محيطاً مسالماً وهادئاً ونضراً مشبعاً بأحلام رواده، باذخاً بالإبداعات.
منطلق الترحال المعرفي الجميل يطال المكتبات الزاخرة بمراكز التسوق، لم تعد تزخر بالكتب الأميركية وحدها، تعددت كونية المطاف، كثير من الروايات العربية المترجمة، تقاربت المسافات ونضجت الأفكار، ودوّت المعرفة في إطار جميل ومثمر، مدَّ جذوره من حالات الاغتراب والمغتربين، ومعاناة الفهم ما بين الشعوب بدأت تتلاشى في معالم الحياة، وهي في تصالح مع البعد في رتم ثقافي ومعرفي، يحط ترحاله أمام بوابات مدن الحلم، بمدنها تشعر بالانتماء إلى الوجود، فالمدن تزهر في الحياة كلما أضاءتها بالمعرفة أصابت خيال المسافر وأدهشته.