يعد توفر المال وتدفقه أول التحديات التي تواجهها وسائل الإعلام العربية، تأتي الحرية كتحدٍ ثان، والتي تحتاج في الأساس لنضال ميداني لا خطب منبرية، وتحتاج لمؤسسات ترعاها بوعي ووطنية صادقة، لتأخذ طريقها ومسؤوليتها أمام المجتمع، ثم تأتي المصداقية والمهنية كتحدٍ ثالث ورابع في ظل تشابك المصطلحات والمرجعيات، وفي ظل ثورة تقنية متسارعة، وفي أجواء تنافسية قاسية.
الحضور الإعلامي العربي والذي أتى به التقدم العلمي العالمي، كانعكاس على المجتمعات المتلقية، كان شاهداً منذ البدايات، فكانت الصحافة العربية قديمة، وكذلك الراديو والسينما والتلفزيون، والآن عالم الإنترنت، ووسائط التواصل الاجتماعي.
بعد الطفرة النفطية ودخول دول الخليج المعترك الإعلامي، ونظراً للإمكانيات المادية الهائلة، وصدق بعض النوايا الوطنية، وبعد ابتزازات صحفية صفراء جلها أتت من الإعلام العربي المهاجر، خلال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، إما يُدفع لها للسب أو للمدح، أو يدفع لها اتقاء بذاءة اللسان، وبعض هؤلاء كانوا ينوبون عن أجهزة إعلامية رسمية في الفتك بالدول المخالفة أو المعارضة الوطنية أو الأقلام الحرة، وبعد عودة الوعي أدركت دول المنطقة أن تؤسس إعلاماً وطنياً رصيناً، محترفاً، فكانت نقلة قوية نحو سحب البساط الإعلامي من تحت دول احتلت الريادة يوماً، وذلك بفضل ما أتيح للتجربة الخليجية من توفر إمكانيات خدمتها التكنولوجيا والثورة الإعلامية والاقتصاد الحر، وإمكانية الاستعانة بخبرات مهنية عربية وأجنبية.
696 قناة عربية، ويزيد، تبث عبر الفضاء العالمي، وهي تتكاثر مثل الفطر، خاصة تلك القنوات التي تبث من شقة غرفة وصالة، لكن الإحصائيات لا تعترف إلا بقنوات عربية تعد على أصابع اليد الواحدة، أما الباقي فهي كالهباء المنثور في الفضاء، منها 124 قناة رسمية وشبه رسمية، 154 قناة دينية أو توجيهية أو عقائدية، و120 قناة «فضائحية»، و90 قناة تخصصية (رياضة واقتصاد وأطفال وأفلام وموضة)، 75 قناة غنائية، والبقية عبارة عن دكاكين صغيرة أو أكشاك على ناصية الشارع الإعلامي العالمي.
بقي شيء أخير، وهو المهم، أن التميز الحقيقي والصحيح للوسائل الإعلامية هو أن تحفز المنتوج المحلي، وتقدمه في صورة صادقة وشفافة ومسؤولة، لا يمكن أن تغيّب الهوية الوطنية عن أي وسيلة إعلامية، كما لا يمكن أن ندع الآخرين يخبروننا عن أخبارنا.