كطائر عملاق، يتوسع في الفضاء سحابة فضية، مبللة بالعذوبة، كفكرة ضالعة في الوشائج، تمضي الإمارات في علاقاتها مع الدول، فلا ذرات تراب تغبش المرآة، ولا ضبابية تعيق الرؤية، فكل الطرق مفتوحة على المدى، كل المشاعر منسجمة مع الأهداف، وكل النسق ترتب شالها، بحيث لا يبقى في القماشة ما يضيق الصدر.
منذ البدء والإمارات تتلمس وجودها في علاقاتها المميزة بالآخر، ومنذ النشوء والإمارات ترتقي إلى السماء وفي يدها نجمة تضيء الطموحات، وفي اليد الأخرى سحابة ترطب الوجدان، ومنذ بزوغ فجر الاتحاد المجيد، والإمارات تفتح النوافذ على آخرها، وتصغي إلى ترنيمة الطير وهو يلحن أبجدية التواصل مع الكواكب، والنجوم، ومن دون تصنيف، أو تحديد، سوى حدود الاحترام المتبادل بين الدول، والمصالح المشتركة، والقواسم التي تؤدي إلى التعاضد والتلاحم.
هكذا رسم الباني المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، الطريق إلى أمن الذات وأمن الآخر، وهكذا آمن بأن الحياة جسر للوصول وليست مكاناً للتوقف، وخير وسيلة للوصول الحب، هو ذلك الترياق الذي يقوي مناعة المشاعر، وهو ذلك الجسر الوسيع الذي يأخذ الدول إلى منارات واسعة الظلال، وإلى حقول خضراء، لا تسقط الشمس الحارقة أوراق أشجارها، ولا تعصف الرياح بأغصانها.
واليوم نرى قيادتنا الرشيدة تمسك بذلك الإرث، في التزام قيمي وأخلاقي لا مناص من الالتزام به، لأنه يشكل قاموس المحيط الذي منه نستقي سر قوامة لغتنا الدبلوماسية، وهو الأبجدية التي نرتقي بها في علاقاتنا بالعالم، وهذا ما جعل الإمارات اليوم تقف شامخة كالجبل، راسخة كجذر السدر، سامقة كالنخلة، فارعة كالفكرة المجللة بالإيمان بأن الحب ثمرة الروح، وهو قشرتها السميكة التي تحمي النيات الحسنة.
فعندما نفرح بفرح الآخر، ونحزن لحزنه، فذلك إشارة واضحة لأن هذا الضمير الجمعي، المتحدر من تراث أخلاقي عريق، هو تلك القوة الذهنية العظمى التي تجعل من الذاكرة محفظة للود، وهي منطقة خضراء معشوشبة بالسنابل اليانعة، وهي أيضاً تلك الموجة التي تغسل بأناملها الناعمة ضمير البحر، وتمنحه النقاء، كي تسبح زعانف التطلعات في مخيلة ناصعة، بيضاء من غير سوء.
اليوم الإمارات تضرب الأمثلة بإقامة علاقات المحبة مع الشقيق والصديق، ومن دون الالتفات إلى الوراء، بل إن عربة الإمارات طريقها مفتوح إلى حيث تكمن أسرار النجوم، وحيث تتكئ الغيمة على صدر السماء، هناك حيث تتكون الحبلة الأولى لأخلاق النبلاء، وقيم النجباء، والحالمين بعالم تصفو كؤوسه من رغوة الاحتراقات، وتزهو وجوهه بنواصع الألوان البهية.