لا تُتعبِي نفسَكِ لإصلاحِ المرآةِ المكسورةِ، لن تختفيَ تجاعيدُ الزمنِ منها، والأولى أن تُضمدي فكرةَ الموتِ لأنها واهية.
رأيتُها تطرقُ أبوابَ العرافينَ بحثاً عن الحبِّ، فيما العشاقُ يطرقونَ بابَها وهي ليستْ هناك، امرأةٌ مثلُ هذه لن تنالَ الضوءَ ولن تغتسلَ روحُها في معانيهِ.
كانت تقفُ على ضفةِ نهرٍ جفَّ، تُرى مَن أوهمَها بوصولِ قواربِ الفرسانِ من هنا؟ حيث لا احتمالَ لتعرُّفِها حتى على غريق.
في الطفولةِ رسمتْ وجهاً على الورقةِ وعشقتهُ، ها هي تفتشُ عنه العمرَ كلَّه في الكتبِ والجرائدِ والشاشاتِ، ولا ترى سوى انعكاسِ أوهامِها.
كلما خرجتْ، ضاع وجهُها في زحامِ المارَّة، وكلما جلستْ وحيدةً قبالةَ البحرِ، راودتْها فكرةُ الرحيلِ، ليتني قبطان أملٍ لامرأةٍ كهذه.
رأيتُها تراقبُ سقوطَ النجمِ، وتحاولُ الذهابَ إلى حيثُ اختفى، يا سيّدةَ الليلِ، ها أنا أشعُّ كلَّ مساءٍ على الأرضِ، ولا أحدَ يراني.
كانت تعبرُ جيئةً وذهاباً في الزقاقِ الضيقِ، ولم يقلْ لها أحدٌ إنِّي بانتظارِها في الأرضِ البِراحِ، اليومَ، بعد أن تهدَّمَتِ الأحياءُ القديمةُ، أدركتُ أنَّها كانتْ مقيدةً بسلسلةٍ من حديدٍ، وأنَّني كنتُ مقيداً بحبلِ انتظارِها.
بمكنسةٍ من ورقٍ، محَتْ ذكرياتِ الضياعِ، وبمكنسةٍ من حديدٍ صار عليها أن تمسحَ ذكرياتِ الغدرِ، المرأةُ التي وهبَتْ قلبَها للرجلِ الخطأِ، الرجلُ بقفازِ الدبابيس.
أعرفُ امرأةً ظلتْ تلاحقُ طيفاً، تراهُ يبتعدُ كلما وصلَتْ إليه، وعند نهايةِ الأرضِ بالفعلِ رأَتهُ هناك، ساقطاً بانتظارِها عند جرفِ الهاويةِ التي اسمُها الوهم.
هناك امرأةٌ تصيرُ سجنًا لفكرةِ الحبِّ، وأخرى باباً للحريةِ والجنونِ، وأنت واقعٌ في الويلِ حرّاً أو سجيناً إن عشِقَتْكَ إحداهُما، وقد نراكَ مفصوماً لنصفين.