كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المنجمين التلفزيونيين الذين يسجلون افتراضات عامة وخاصة، وحين تصدق واحدة يعيدون البث من جديد، حتى البطولات الكروية ظهر منجمون على شاكلة أخطبوط أو سنور برّي، وفي أوروبا كثرت تلك الدكاكين الصغيرة التي يمكن أن تجد فيها عرّافة، وقارئة الورق والودع، وتجد فيها الواشم والموشوم، وتجد فيها من يبيعك الكيف، وهي في ظاهرها أشبه بحوانيت التبغ في أوروبا.
التنجيم والمنجمون ظاهرة كونية قديمة قدم الحضارات، فقد كان المنجمون في أعلى طبقات المجتمع ومن المقربين عند أصحاب القرار، وهم المستشارون قبل اتخاذ أي قرار، مثل قرار الحرب أو السلام أو حتى رحلات الملوك إلى الخارج، ظهر التنجيم قبل آلاف السنين، وهو يعتمد على قراءة حركة النجوم والكواكب، وتأثيرها على الأحداث الأرضية أو هو التأثير السماوي الغيبي على الأرضي وخاصة الإنسان، وأن في الكون قوى خفية يمكن أن تؤثر على مصائر الإنسان والأمكنة والأحداث إذا ما توافقت الحسابات الفلكية.
يُعتبر السومريون من أوائل الشعوب التي استخدمت التنجيم، وقد طوروا أنظمة معقدة لرصد مواقع الكواكب والنجوم، واستخدموا هذه المعلومات في الزراعة والدين وخلق الأساطير، وفي الحضارة المصرية استخدم المصريون النجوم لتوجيه بناء الأهرامات ولتحديد الأوقات المناسبة للزراعة والاحتفالات الدينية، أما الإغريق والرومان، فقد قام الفلاسفة الإغريق، مثل أفلاطون وأرسطو، بدراسة النجوم وتأثيراتها على الحياة البشرية، حتى انتشرت أفكارهما ودمجت مع التقاليد والاعتقادات المحلية في روما، أما التنجيم في الثقافة الإسلامية، خاصة في العصور الوسطى، فقد تطور التنجيم بشكل كبير، فبرز العلماء المسلمون، مثل الفلكي البيروني وابن سينا وغيرهما، وساهموا في الحفاظ على المعرفة الفلكية القديمة ودمجها مع الأبحاث والتجارب الجديدة، أما في الهند فارتبط التنجيم الهندوسي (فيدا) بوتيرة الحياة الهندية، حيث يستخدم للتنبؤ بمسار الحياة والمصير، مركزاً على مواضع الكواكب عند ولادة الإنسان، وفي الصين يستخدم التنجيم الصيني تقويماً قمرياً يعتمد على علامات الأبراج الصينية، ويرتبط بفلسفات مثل «الين واليانغ» و«تشيو»، وكل ثقافة في العالم تجد لها طريقة مختلفة في التعامل مع السماوي والأرضي.
لذا عد التنجيم نظاماً معقداً يعتمد على علوم الرياضيات والفلك، ويهدف إلى تفسير العلاقة بين الظواهر السماوية والأحداث الأرضية، من خلال دراسة علوم الأبراج، وهي تقسيمات فلكية تتكون من 12 علامة تمثل شخصية الأفراد وسماتهم المختلفة، بحسب توقيت ميلادهم، ومعرفة بعض أسرارهم الشخصية مثل اسم الأم، واليوم وساعة الولادة، وهل هي نهاراً أم زوالاً.
المنجمون أو قراء الفأل والطالع أو السحرة بالمفهوم الشعبي أو الوسطاء كما يطرحون أنفسهم أحياناً، حاولوا كثيراً تقنين فنونهم وخدعهم وألاعيبهم، وحاولوا أن يجدوا علماً يختص بعملهم أو يبنوا ما يقولونه للناس من قراءة للماضي، واستشراف للمستقبل، على أسس علمية، ورياضيات متكاملة ومعادلات فلكية، ولكل مهنة مختصوها ومدعوها، لكن في التنجيم لا المختص يمكن أن تصدقه، ولا المدعي يمكن أن يقنعك، لكن كيف لنا أن نفسر ما نرى من صدق هؤلاء في دقة توقعاتهم، وصدق ادعاءاتهم؟ لا شك في أن التنجيم ظاهرة مثيرة للجدل تجمع بين العلم والأسطورة وعلم النفس البشري، والمشكلة أن هناك الكثير من الإخفاقات التي يصنعها المنجمون لكن لا أحد يسأل عنها وهي كثيرة، لكن لو صدقت نبوءة واحدة لطاروا بها، وعلى هذا يراهن المنجمون دائماً وأبداً!