قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا.
بيت في الشعر، نبرة في القصيدة، وشارع فسيح في الوجدان، يجعل للكلمات نبضاً كأنه الموجة تغسل شطآن الحياة، يجعل للمعنى وشاحاً من حرير يطوق الزمان والمكان، ويجعل من الذاكرة كتاباً عامراً، بأجديات ما كنا نستلهمه من وقوف المعلم أمام سبورة الكلمات، يمرر ما في فؤاده من أسباب الوعي ويقول هيا نبدأ الدرس الأول، وفي الصفحة الأولى قصيدة كتبت من ماء الذهب لأنها تعني العلاقة بين القلم والدفتر، وبين الحلم والغد، وبين الطموح والمستقبل، ثم يصمت، ثم يتأمل الوجوه الساهمة، والأعين الشاخصة، والأفواه الفاغرة، ثم يقول كفى، لقد انتهى الدرس وغداً نكمل السلسلة، وواجبكم أحبتي أن تفهموا ولا تحفظوا، ففي الفهم اتساع للوعي، ونضوج للإدراك، وفي الحفظ تكرار، واجترار، ثم نسيان، ثم ضياع الفرصة لاستقلال حافلة المصير وهي متجهة نحو ما بعد الغد.
اليوم ونحن قد بلغنا من العمر عتياً نستدعي تلك الشواهد، ومواعيد الحلم، ونستدرج العقل كي يسعفنا على القبض على ما قد فرط من سلسال العقد الفريد، فإذا به يفتح صندوقه الأبيض، ويبدأ في البحث عن مدخراته الثمينة، ويعد ويحصي ما قد خبأه في العقل الباطن، وهذا العقل الباطن هو السر، وهو السبر، وهو السيرورة التي تمسك بزمام الأمور، وتحيل الأشياء إلى مناطق آمنة لعلنا نرجع إليها ونتذكرها، والحقيقة أن خير ما نتذكره هو المعلم، لأنه العلامة الفارقة في حياتنا نحن أجيال الماضي القريب، والبعيد، فالمدرس في زماننا أخرج العيون من غشاوة الأمية، وقاوم جهلنا، وبؤسنا، ولهونا في الأزقة بينما كانت حقائبنا المدرسية مركونة على جدران البيوت المهجورة، وكلما سمعنا أو شاهدنا عن بُعد ذاك المعلم أو هذا، فررنا كفئران مذعورة لأننا على يقين بأن ما نقوم به هو ضد النجاح، وضد مفهوم المعلم للتربية والتعليم، وضد الحياة بشكل عام.
اليوم نتذكر، وكثير منا يأسفون لأنهم تركوا القافلة تمضي، ولبثوا يعبثون بتراب المرحلة، حتى غابت الشمس ولم يجدوا دفاترهم المدرسية التي مزقتها الخراف الطائشة.
اليوم نسترجع ما مضى، وما مضى ليس إلا شعاعاً يطل من بعيد ولكنه يملأ جعبتنا بكثير من الصور والمشاهد والأحداث، حتى تلك العصا التي مرت على الكفوف تهذيباً للأخلاق، وترتيباً للوعي من أجل تغيير الأهداف وتعميرها بطموحات أكثر وعياً، وأكثر سعياً للقبض على قيم العلم، وشيم المعلم ذاك النبيل الشهم الذي تعلم كيف يمسك بزمام صيفنا الحار، وشتائنا القارس، ويتجلد بالصبر لأنه يحمل رسالة أعظم من كل الانحيازات الذاتية، وأهم من كل المزاج الشخصي، ولأن المعلم كان القدوة، والنموذج، استطاع بهذه الأخلاق أن يفرز جيلاً متعلماً، متسلحاً، بوطنية التعليم، وجزالة الحب لهذه المؤسسة السامية، واليوم الإمارات تجني ثمار زمن، وتذهب بزمن بالروح نفسها، وذات الإرادة، والعزيمة إيماناً من القيادة الحكيمة بقيمة العلم، ودور المعلم.
الإمارات بجلت المعلم، وأجلت التعليم، ورفعت قامت المؤسسة التعليمية بحيث أصبحت هذه المؤسسة، قلعة من قلاع التبصر، وأحلام النهضة المباركة.