ما من فن إلا ووراءه عقل يؤسس لتاريخ ثقافي يؤكد استدامته وعراقته وقوة تأثيره في الوجدان الإنساني، ويحكم قبضته على الإرث القويم بكل شفافية وسلاسة يجمعهما الحب، لهذا الناموس البشري والذي لا يرتبط بجغرافيا ولا زمان، بل هو الحياة بمجملها وشغف الإنسان وعرفانه بما للفن من عمق في النفس، وما له من بهجة في الروح.
فالفن هو جناح الروح، وهو نبض القلب وأريحية الجسد ومحيط العقل عندما يكون الفن بلا حدود، ولا سدود، ولا تضاريس عالية المنسوب، ولا جغرافيا متكئة على هضاب معشوشبة بأشواك (الأنا).
مبادرة معهد الشارقة للتراث بغرس نصب تذكاري لفن العيالة في جزيرة نامي بكوريا الجنوبية، لهو تعبير عن الوعي الراسخ في الذهنية الإماراتية، بأن الحياة مسرح كبير، ونحن الذين نكتب نصها التاريخي، ونحن الذين نلوِّن خشبتها المسرحية بعزف إنساني لا يقبل الأفول، ولا يتزحزح عن مكانه في الروح الإنسانية.
فالفن كالمحيط لا يملكه شعب دون غيره من الشعوب، فقد نقدم ما لدينا من لواعج فنية، ومشاعر، ولكننا لا نستطيع إضفاء سند الملكية الذاتية لفن نقدمه للعالم كعربون محبة، وصك فني يعبر عن روحنا، وعن تاريخنا، وعن حبنا للآخر والذي نهديه هذا الفن، لكونه يعبِّر عن تاريخ يمتد بجذوره حتى نخاع التاريخ حتى الطبقات الدنيا والعميقة من الأرض التي نشأ فيها.
جهود القائمين على حماية التراث، وترسيخه، وتأريخه، ونشره، وتوزيع عطره، جهود مشكورة تثري وجداننا، وتجعلنا نشعر بأن الإمارات فعلاً تمتلك وجداناً إنسانياً لا نظير له، فهي سباقة في التواصل، فريدة في الوصول، جديرة في تحقيق ما يتمناه كل إنسان لتستمر العجلة في المشي باتجاه الآخر، كي تتخلص البشرية، من الضغينة، والضنك، وكي يظل الحلم واسعاً كالأنهار العظيمة، وتظل السحابة ممطرة، حتى ترتفع الأغصان عالياً، سامقة، باسقة، ريانة بأحلام التضامن، جذلانة بوعي العيون بأهمية التفاصيل في تلافيف الحياة، وخيرها فن يحيي الإرث، ويفتح نافذة الإرث، ليعانق النسيم وريقات الوجدان البشري، وتظل أوراق الروح تعزف لحن الخلود، ونظل جميعاً، على صهوة القارات الخمس نغني لأجل الحياة، ونعزف لأجل أن تستمر القافلة تنقش بأقدامها رمال الصحراء، كما تحفر في وجدان التاريخ «أنشودة المطر» ليظل الضمير الإنساني متذكراً أنه ينتمي للأرض كبساط تستريح عليه روحه، والسماء كمظلة عملاقة تمنحه الظل. فمنذ فجر التاريخ والإنسان يغني، ولكل منا أغنيته، ولكن في داخل الكل هي أغنية واحدة، وهي أننا أبناء الأرض، خيمتنا الرائعة، يلحف سقفها شجو إنسان ليس له صوت، سوى صوت الدوزنة، وفي الإمارات لعبت العيالة دوراً في تشذيب المشاعر، وترتيب العلاقة مع الكون، وتهذيب الوعي، بحيث يصبح مساحة بيضاء من غير سوء.
فالعيالة فن من فنون كثيرة نبتت أشجارها على هذه الأرض، وعبَّرت عن شاعرية الإنسان في هذا الوطن وحبه للحياة.