«اقرأ المقال حتى نهايته، فربما تجد في محتواه وفى الأسطر الأخيرة هذا الربط بين رواية الأديب المصري توفيق الحكيم التي صدرت عام 1938 عن سفره إلى باريس، وبين اتساع دوائر البحث عن المواهب في محيط الكرة العربية».
يوسف أيمن، إحدى صفقات النادي الأهلي المصري، يحمل الجنسية القطرية، ولعب لأندية محلية عدة، وعمره 25 عاماً، ويلعب في مركزي قلب الدفاع والظهير الأيمن. والتعاقد معه يعكس تطوراً في عمليات البحث عن اللاعبين شرقاً وغرباً، فالعمل في تلك الصناعة ومع تطورها السريع، بات يتطلب توسيع مساحات البحث عن المواهب.
وهذا كان اتجاه مشروع جامعة الكرة المغربية منذ سنوات، حتى إن المنتخب الأولمبي صاحب برونزية دورة باريس ضم 10 لاعبين من أبناء المهجر في إسبانيا وفرنسا، لكن ظاهرة البحث شرقاً وغرباً وتوسيع دائرتها امتدت إلى المنتخبات العربية أيضاً.
فقد أعلن البرتغالي باولو بينتو، مدرب منتخب الإمارات، قبل أيام، قائمة الفريق الذي يستعد لمواجهة قطر، ثم إيران في الدور الثالث من التصفيات الآسيوية لكأس العالم 2026، والقائمة تضم 26 لاعباً، بينهم 3 لاعبين يلعبون في أوروبا، وتسمح لهم لوائح الاتحاد الدولي باللعب مع «الأبيض» لأنهم من مواليد الإمارات، وهم حارس المرمى عدلي محمد، الذي يلعب في ساوثمبتون الإنجليزي، جونيور نداي، الذي يلعب في مونبلييه الفرنسي، وماكنسي هانت، الذي يلعب في فليتوود الإنجليزي، كما ضمت القائمة العاجي كوامي أوتون مدافع العين، الذي يلعب في الدوري الإماراتي منذ 2019.
هكذا، لم يعد لاعب الكرة العربي مجرد عصفور نادر من الشرق يخوض تجارب الاحتراف الأوروبية الصعبة، وإنما أصبحنا أمام عصافير قادمة من الغرب، وربما تتسع الدائرة أكثر بالنسبة لدول الشمال الأفريقي، حيث تنتشر المواهب من أبناء المهجر في دول البحر المتوسط (إسبانيا وفرنسا وإيطاليا)، وهم من خريجي مدارس التدريب الأوروبية، بما تحمله تلك المدارس من نظم ووسائل إعداد ناجحة للناشئين، خاصة الإعداد البدني.
المنتخب السوري أيضاً، الذي يستعد لمواجهة ماينمار في مباراتين، ضمن تصفيات المونديال 2026 وكأس آسيا 2026، ضم نوح شمعون المحترف بنادي راندارز الدنماركي، وداليهو إيراندوست الذي يلعب في نادي بروما بويكارنا السويدي بالدوري الممتاز. وقد اختار اللعب لمنتخب سوريا بدلاً من الانضمام إلى المنتخب السويدي.
نحن أمام تغييرات جوهرية في العمل بصناعة كرة القدم، وصحيح أن دولاً عربية سبقت منذ عقود في البحث عن مواهب خارج حدود الدولة، إلا أن ما كان نادراً أو قليلاً في السابق، أصبح اتجاهاً اليوم، لأن كرة القدم باتت أكثر تعقيداً، وأكثر قوة، وأكثر حاجة للاعبين جرى تأسيسهم بدنياً جيداً لتحمل الأعباء التي تفرضها الآن كرة القدم، بما فيها من معدلات جري، وواجبات دفاعية وهجومية..
** بالمثل، يظل فتح باب الاحتراف في أوروبا ضرورة فنية ملحة، بالنسبة للمنتخبات العربية.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: «هل يحتاج لاعبنا حقاً للاحتراف.. هل يبحث عنه ويريده، أم أنه لا يحب الاغتراب ولا يريده، حتى لو كان عصفوراً من الشرق عند الغرب؟!»