أيقظتني أيها الألم اللئيم الذي استبد بطاقة جسدي! كنت في غفوة الطفل الوليد المطمئن إلى مدارج خطوهِ في مراقي الحياة. وكنت أسير متئدة في رحاب البيت وأرقب الحديقة المزدهرة بالفل والورد والياسمين. ترشني عطورها كالندى الذي يرش الفجر، ويحرسني حين أراه من وراء العتم، وحين يبزغ في مساء الروح. مترفاً كان النهار ينسل من بين ستائر النوافذ، ومن خفقة الأجفان. والضجة في الشوارع وخارج عتبات البيت تراوغني، لكنني أنتقي هدأة الناسك في عزلته ليقرأ ما تسرُ به الرؤى وتندُّ به حكمتهُ. 
شجيرة «التوت» في الهبوب ترتعش أغصانها. فأرقب خفقة الظل على الرصيف المجاور خارج البيت. وأبتسمُ! الفل يقطّر عطره ناصعاً بين أصابعي، والورد من فتنة الورد يغويني بفتنته، فأوجعت جسدي وأيقظتني من عسل شهي على حلم الوسادة إلى حلم مرير على قمم الصعاب ترجّني. قدماي حافيتان ويداي في دفء أحضاني وحنان أغطيتي. فكيف بين مدارج الألم الصعب تدعوني لأخطو، وتدعي أن ما يخبئه الدواء في مكوناته ليس سوى عابر سيمر ليختفي الألم. لكن من تعدد آثاره أستنهض آلاما لم تكن قبل لأدركه. فكيف من يغمره الماء توقظهُ ليغمره اللهب! كنت أعد للبذر تربة الخصب بمحراثي، وأسقيها من أودية شغفي ومحبتي وانتظاري لرحمة الأمطار كي تنمو وتزدهر رغم تغير المناخ الذي ارتكبته أخطاء البشر. وكنت أرقب سحر الفصول في تعاقبها ولغز الكون في سر الطبيعة التي تفيض بالخصب. 
أيها الألم اللئيم الذي فجأة تدفقت به ظروف لست أدركها. وزرعت في روحي مرارة الكآبة الأشد منك لؤماً وقسوة لأنها بددتني في متاهات الرغبات والأماني التي كنت أنسجها على مدار الأيام قبل غزوك أيها الألم اللئيم. إنني أدعو الله صباحاً ومساءً أن ترحل سريعاً أيها الألم عني، لأنسج ظل أيامي بحبر روحي، وأنشد المعنى سخياً في لحن قصيدتي. دعني لسحر الشعر أنقشهُ أثراً على رمل السنين وينقشني وشماً عميقاً على سرمد العمر. لملم أوجاعك حول قلبي وجسدي وابتعد واخرج خفيفاً مثلما يخطو المريض إلى مرافئ آماله. لا شبر لي في ظل لؤمك ولا ماء نقياً تنضحه جرارك. فلم تبق لي زورقاً لأعبر البحر المديد إلى ضفاف أحلامي، ولا مجاديف العلاج في عنفوان الألم تحكمه يداي إلى سقيا الدواء، ولا الشراع حين اشتداد عصفك ترفعه رياح آمالي !كل الفصول تتبدل إلا الألم لا ينتقي فصلاً ولا يردعه الشفاء.